يعيش المواطن الليبي في أجواء اقتصادية خانقة، حيث يواجه ضغوطاً متزايدة من سياسات مصرف ليبيا المركزي الصارمة المفروضة على السحب النقدي وتحويلاته. في عدة منشورات له عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” ورصدتها “أخبار ليبيا 24“ الخبير الاقتصادي، مختار الجديد، وجه انتقاداته لهذه السياسات، مسلطاً الضوء على ما وصفه بـ”ابتزاز” منظم تمارسه المصارف على المواطنين، مما يزيد من معاناتهم في ظل أزمة اقتصادية خانقة. تبرز هذه الانتقادات أسئلة عديدة حول أهداف هذه السياسات، وتأثيراتها على مختلف فئات المجتمع، خاصة من ذوي الدخل المحدود.
أحد أبرز محاور النقد التي قدمها الخبير مختار الجديد هو سياسة تقييد السحب النقدي بالصكوك التي تفرضها المصارف، مما يجبر المواطنين على استخدام البطاقات المصرفية للسحب بتكلفة إضافية. وعلى الرغم من أن المواطن قد دفع مسبقاً قيمة الصكوك، يجد نفسه محاصراً بسياسات عمولات إضافية؛ هذا يزيد من أعبائه المالية ويفتح المجال للتساؤل حول شفافية هذه السياسات.
من جهة أخرى، يلاحظ الجديد أن هذه القيود قد تؤدي إلى فرض ثقافة جديدة في أسلوب الدفع، حيث يضطر المواطنون إلى التعامل من خلال البطاقة، مما يضعهم أمام كلفة لا مبرر لها. ويبرز هنا الإشكال الأكبر عندما يكون الدخل غير متساوٍ مع المصروفات، مما يجعل المواطن محدود الدخل أسيرًا للتكاليف العالية.
يشير الخبير إلى نقطة أخرى جوهرية تتعلق برفع رسوم إيداع الكاش في المصارف، والتي قد تؤدي إلى تحولات كبيرة في نمط التعامل المالي بين التجار. إذ يوضح أن كبار التجار سيفضلون حينها الحصول على ديونهم عبر الصكوك أو التحويلات بدلاً من النقد. ويبدو أن صغار التجار بدورهم سيتأقلمون مع هذه المتغيرات بتوجيه عمليات البيع باستخدام البطاقة، مما يعني أن المواطنين سيتعرضون لفرض إضافي على كل معاملة شراء.
بهذا الأسلوب، يتزايد ثقل السياسات المصرفية على كاهل التاجر والمستهلك على حد سواء، مما قد يولد بيئة مالية غير متوازنة، تكرس فوارق اقتصادية متنامية، وتهدد استقرار الأسواق الداخلية.
من بين الانتقادات الأخرى التي وجهها مختار الجديد، استثناء بعض القرارات التي يرى أنها خطوة في الاتجاه الخاطئ، كرفع القيود المفروضة على السحب النقدي وبيع الدولار كاش في المصارف ووكالات الصرافة. هذه التحركات، بحسب رأيه، ليست سوى قفزات متسرعة قد تزيد من حدة الأزمات بدلاً من تخفيفها، مما يسلط الضوء على ضرورة مراجعة مدروسة للسياسات بعيداً عن التأثر بالضغوط الإعلامية أو العواطف.
ويرى الخبير أن السباق الاقتصادي الذي تواجهه ليبيا اليوم هو سباق ماراثوني طويل الأمد، وليس سباقاً لمسافة قصيرة، مما يتطلب استراتيجيات تتسم بالعمق والتخطيط بعيد المدى. هذه الدعوات إلى إصلاح السياسات تنبع من فهم عميق للوضع، وتدعو إلى العودة للسياسات التي تحمي المواطن وتحقق استقراراً نقدياً.
جانب آخر لا يقل أهمية هو تأثير تذبذب سعر صرف الدولار على الأسعار في الأسواق المحلية. ففي الوقت الذي شهد فيه الدولار ارتفاعاً طفيفاً ثم انخفاضاً سريعاً، حافظت الأسعار على مستوياتها المرتفعة دون أي تعديل يتماشى مع الهبوط في سعر الصرف. هذا التوجه، الذي يبرره التجار بحجة أنهم “شاريين بالغالي”، يضع المواطن مجدداً في مواجهة تكاليف إضافية على السلع الأساسية رغم عدم تغير تكلفتها الحقيقية.
ويعكس هذا الوضع صورة واضحة للاستغلال الاقتصادي، حيث يظل المستهلك أسيرًا لسوق غير منظم يحقق فيه التجار أرباحاً استثنائية على حساب قدرته الشرائية المتدهورة. ويوضح الجديد أن حجج التجار هذه غير مبررة، خاصة مع سرعة انخفاض سعر الدولار في السوق. هذه الممارسات تفتح تساؤلات عن دور الدولة في ضبط الأسعار، وتفعيل قوانين تمنع التلاعب بالأسواق.
في ضوء هذه التحديات، يقترح مختار الجديد عدة حلول لتخفيف العبء عن كاهل المواطن وتحقيق توازن في السوق المالي. من بين هذه التوصيات، الدعوة لتخفيض العمولات على السحب النقدي، وتقليل الرسوم على التحويلات بين الحسابات، لتشجيع التعاملات المصرفية الشفافة. بالإضافة إلى ذلك، يرى الخبير أن فرض عمولات عالية على إيداع الكاش قد يفتح باباً للاستغلال المالي ويشجع على تهريب الأموال خارج النظام المصرفي.
كما أن التركيز على إعادة تنظيم سوق الصرف وضبطه من قبل الجهات المعنية سيساهم في الحد من التأثيرات السلبية لتقلبات العملة، مما يوفر بيئة تجارية مستقرة تتيح للمستهلكين والتجار العمل دون خوف من تدهور مفاجئ في الأسعار أو العملات.
إن معاناة المواطن الليبي تتفاقم مع تعمق الأزمة الاقتصادية، وتزايد القيود المصرفية التي فرضت عليه عبئاً مالياً غير مبرر. وبينما يستمر ارتفاع الأسعار دون مبررات منطقية، يجد المواطن نفسه محاصراً بسياسات مالية تضيق عليه سبل الحياة الكريمة. وفي هذا السياق، تأتي دعوات مختار الجديد لتكون بمثابة تحذير من تداعيات هذه السياسات، ورسالة إلى الجهات المعنية لمراجعة إجراءاتها، ووضع مصلحة المواطن في صدارة الأولويات.