جدل حول السيادة الرقابية في ليبيا بعد لقاء بين هيئة الرقابة وسفراء أجانب
في خطوة أثارت الجدل والانتقادات، عقد رئيس هيئة الرقابة الإدارية في ليبيا اجتماعًا مع مجموعة من السفراء وممثلي البعثات الدولية لمناقشة التقرير السنوي للهيئة لعام 2023. وصف عضو مجلس النواب، عبد السلام نصية، في منشور له عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” رصدته “أخبار ليبيا 24”، اللقاء بكونه “انتهاكًا للسيادة الرقابية”، مشيرًا إلى أن الاستقواء بالأجنبي ومحاولة استغلال النفوذ الخارجي باتت تضعف دور المؤسسات السيادية وتعرّض الأمن القومي للخطر.
الرقابة في ليبيا: بين التشريع والتحديات
تشكل الرقابة جزءًا أساسيًا في نظام الإدارة العامة، حيث يتم استخدامها للتحقق من توافق الأنشطة مع الخطط والأهداف المحددة مسبقًا. ويشير نصية إلى أن منظومة الرقابة في ليبيا تتمتع بأساس تشريعي متين، حيث أقر قانون رقم 20 لعام 2013 بإنشاء هيئة الرقابة الإدارية بغرض تنفيذ رقابة فعّالة على الأداء الإداري والتأكد من مدى التزام المؤسسات التنفيذية بتطبيق القوانين. ومع ذلك، فإن تجربة الرقابة العملية أظهرت تحديات عديدة، من بينها تضخم الأجهزة الرقابية بموظفين غير مؤهلين، وضعف التنسيق بين مستويات الرقابة المختلفة، إضافة إلى بطء الاستجابة للتجاوزات والمخالفات المالية والإدارية.
أنواع الرقابة وأهميتها في تعزيز المساءلة
تنقسم الرقابة إلى عدة أنواع، تشمل الرقابة الإدارية، التي تتعلق بتحقيق الأهداف التنظيمية؛ الرقابة المالية، التي تهدف إلى متابعة استخدام الموارد المالية بكفاءة؛ والرقابة التشغيلية، التي تهتم بكفاءة العمليات اليومية داخل المؤسسة. من هنا، تكمن أهمية الرقابة في تحسين الأداء وتعزيز المساءلة، إذ أنها تؤدي دورًا محوريًا في حماية موارد الدولة وضمان تماشي الأنشطة مع السياسات العامة.
التقرير السنوي: أداة لتوجيه السياسات العامة أم وسيلة للتسييس؟
ألزم قانون إنشاء هيئة الرقابة الإدارية الهيئة بتقديم تقرير سنوي للسلطة التشريعية عن أدائها وملاحظاتها حول عمل المؤسسات. وتعد هذه التقارير أداة حيوية لتحديد المشاكل وتوجيه السياسات العامة، كما أنها تُعرض على السلطة التشريعية لتشكل أساسًا للمساءلة والتوجيه. إلا أن نصية أشار إلى أن عرض هذا التقرير على سفراء أجانب بدلاً من الاكتفاء بإحالته للسلطة التشريعية، يعد انتهاكًا خطيرًا للسيادة، حيث أن المؤسسات الرقابية تُعدّ سيادية بطبيعتها.
ماذا وراء استدعاء السفراء لمناقشة تقرير هيئة الرقابة؟
في 27 أكتوبر 2024، نشرت الصفحة الرسمية لهيئة الرقابة الإدارية على موقع “فيسبوك” تفاصيل اجتماع رئيس الهيئة مع عدد من السفراء، حيث تم مناقشة تقرير الهيئة السنوي وأهدافه، كما تم التطرق إلى إمكانيات الدعم الفني واللوجستي المتاحة من الشركاء الدوليين. اعتبر نصية أن هذا الاجتماع يحمل دلالات خطيرة ويشكل خرقًا واضحًا للسيادة الرقابية، إذ أن مناقشة التقارير الرقابية مع ممثلي دول أجنبية يعكس ضعف الثقة في المؤسسات المحلية ويعطي انطباعًا بأن الليبيين يعتمدون على الدعم الأجنبي لتوجيه مؤسساتهم السيادية.
انتهاك السيادة الرقابية: تداعيات قانونية وأمنية
وصف نصية استقبال السفراء بأنه “تجاوز للسيادة الوطنية”، وحثّ السلطة التشريعية على اتخاذ الإجراءات القانونية بحق رئيس هيئة الرقابة. كما دعا النائب العام للتدخل، معتبرًا أن المسألة تمثل تهديدًا للأمن القومي. ويُطرح هنا تساؤل أساسي: هل يمكن للدول الأخرى أن تستدعي السفير الليبي لمناقشة تقارير رقابية سيادية؟ يرى نصية أن هذا الأمر مستحيل، إذ تحافظ الدول على سيادتها وتحرص على احترام مؤسساتها أمام الأجانب.
بين الشفافية والسيادة: تحديات المؤسسة الرقابية في ليبيا
من منظور آخر، يعكس اللقاء مع السفراء أيضًا توجهًا نحو الشفافية والانفتاح على المجتمع الدولي، إلا أن نصية يشير إلى أن الشفافية لا تعني بالضرورة السماح للأجانب بالتدخل في الشؤون الرقابية السيادية، بل يجب أن تتضمن التقارير آليات مساءلة داخلية تضمن الشفافية دون المساس بالسيادة.
ظاهرة “الاستقواء بالأجنبي”: تأثيرها على السيادة الليبية
يرى نصية أن ظاهرة “الاستقواء بالأجنبي” أصبحت منتشرة بين رؤساء المناصب السيادية، وهو ما ينعكس سلبًا على استقلالية المؤسسات السيادية، إذ أن الاعتماد على الأجانب يتعارض مع مبدأ الاعتماد على النفس ويضعف مصداقية المؤسسات أمام المواطنين. ولعل السبب في هذا الاستقواء يعود إلى تصور البعض بأن الدول الأجنبية تقدم حماية لهؤلاء المسؤولين أو تضمن استمرارهم في مناصبهم، مما يجعلهم أكثر تهاونًا في الحفاظ على سيادة المؤسسات.
دعوة لحماية السيادة الرقابية واستعادة ثقة المواطن
يختتم نصية بتوجيه نصيحة للمسؤولين بالتوقف عن توريط السيادة الوطنية في مسارات غير مشروعة، مؤكدًا أن الشعب الليبي لن يغفر لأي مسؤول التفريط في سيادته، ومعبرًا عن أمله في استعادة الدولة قريبًا لضمان تفعيل مؤسساتها وتحقيق استقلالية القرار الليبي.