في خضم الفوضى السياسية التي تعصف بليبيا منذ سنوات، دعا المرشح الرئاسي، أسعد زهيو، إلى إعادة تقييم المنهجية التي يتم اتباعها لتشكيل الحكومة الجديدة، مؤكداً أن الحلول المطروحة حتى الآن لا تتجاوز كونها تدويراً لنفس الصراعات وإعادةً لأطراف جديدة إلى ساحة المناصب والمنافسة على السلطة. يرى زهيو أن المشروع الوطني المتكامل وحده القادر على إخراج ليبيا من هذه الدوامة، داعياً لإعادة النظر في الاستراتيجيات الحالية التي تقود البلاد نحو مستقبل غير واضح.
يشير زهيو تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24”، إلى حقيقة ملموسة في المشهد الليبي، حيث يتكرر الحديث عن تشكيل حكومة جديدة دون أن يكون هناك رؤية واضحة لآلية العمل الوطني. فالأطراف التي تتصارع على السلطة، سواء الحالية أو الجديدة، لا تقدم مشروعاً متكاملاً لبناء الدولة أو حتى موعداً محدداً لإجراء الانتخابات، ما يعكس أزمة غياب البعد الاستراتيجي لدى هؤلاء المتنافسين. ويضيف زهيو: “ما يطرح الآن من مبادرات سياسية لتشكيل حكومة جديدة لا تتعدى كونها عملية تبادل للأدوار بين الأطراف، مع غياب حقيقي لأي رؤية بناءً على مستقبل سياسي واضح لليبيا.”
في نظر زهيو، حكومة الدبيبة، منتهية الولاية هي مثال صارخ على الفشل السياسي؛ إذ جاءت تحت شعار إجراء الانتخابات لكنها أضعفت المسار الدستوري، ولم تعمل على استكمال متطلبات الاستقرار السياسي. يرى أن تكرار هذا النموذج، بوجوه جديدة أو بإعادة توجيه ذات الوجوه، ما هو إلا إعادة إنتاج للأزمات التي يعيشها الليبيون يومياً.
يشكك زهيو في إمكانية تحقيق الاستقرار مع التوجهات السياسية الحالية التي تفتقر إلى أساس صلب. يرى أن الوجوه السياسية التي تتطلع لتولي السلطة الجديدة لا تمتلك الحنكة أو الإرادة الصادقة لتنفيذ الانتخابات وإيجاد الحلول، إذ لا توجد ضمانات مؤكدة لإجرائها في موعدها المحدد. ويؤكد أن “عدم الثقة في القيادات الجديدة هو أحد أسباب إخفاقات المحاولات السابقة.” ويعتبر أن هذا النمط المتبع من التشكيل المتكرر للحكومات بدون ضمانات فعلية يفتح الباب واسعاً أمام احتمالات الفشل والتعطيل.
انتقد زهيو المسارات التي تم اتباعها منذ توقيع اتفاق الصخيرات، والذي عوضاً عن معالجة جذور المشكلة، أضاف أطرافاً جديدة إلى ساحة الصراع السياسي، مسبباً تفاقم الأزمة. يرى أن الشخصيات التي ظهرت على الساحة السياسية بعد مؤتمر جنيف، مثل المنفي والدبيبة، أصبحت من العناصر الأساسية في النزاع. ويضيف أن كل حكومة جديدة تتشكل بنفس الأسس ستزيد من حدة الانقسام، وتدفع نحو تجدد النزاعات حول السلطة بدل التوجه نحو بناء دولة تجمع الليبيين.
يتساءل زهيو عن مدى جدوى توحيد الحكومتين في ظل الاختلافات العميقة بين الطرفين، مشيراً إلى أن هذا السيناريو قد يكون غير واقعي ويفتقر إلى ضمانات كافية لتحقيق استقرار فعلي. يوضح أن دمج الطرفين ربما يعيد الليبيين إلى متاهة سياسية تعرقل المسار الديمقراطي وتزيد من تعقيد الوضع.
من أبرز ما يلفت انتباه زهيو هو هشاشة المؤسسات السياسية الليبية الحالية، إذ يصفها بأنها كيانات شبه مشلولة تفتقر إلى الشرعية اللازمة للقيام بدورها الأساسي. يقول زهيو أن “ليبيا اليوم لا تمتلك مؤسسات دولة فعلية، بل ما هو موجود عبارة عن كيانات متهالكة تفقد شرعيتها يوماً بعد يوم.” ويشير إلى أن بناء الدولة لا يتحقق بتشكيل حكومات عابرة، بل من خلال توافق وطني يحدد أسس الدولة ويعالج جذور الصراع القائم.
يرى أن أهم خطوة لتحقيق هذا التوافق كانت مطروحة قبل انتخابات 2021، غير أن الأجسام السياسية رفضت ذلك بحجة عدم تعطيل الانتخابات، ما أدى إلى تكرار نفس الإشكالات وترك الليبيين دون أي أفق واضح للمستقبل. يدعو زهيو إلى معالجة أسباب الصراع ووضع أساس قانوني متين للانتخابات، والذي يحقق شرعية حقيقية للحكومة المقبلة ويعيد الثقة إلى المؤسسات العامة.
في ضوء الإخفاقات المتكررة، يقدم زهيو طرحاً بديلاً لحل الأزمة الليبية، من خلال خارطة طريق تتبنى مسارات متعددة تهدف إلى فهم جذور الأزمة وتفكيك مصادر الصراع. يرى أن بناء الدولة يجب أن يرتكز على توافق وطني يبدأ بمعالجة أبعاد الصراع القائمة، وأن هذا التوافق لا يتحقق بالتمثيل الشكلي الذي تفرضه الاتفاقيات الدولية، وإنما بتحقيق استقلالية القرار الليبي بعيداً عن التدخلات الأجنبية والضغوط الخارجية.
يعتقد زهيو أن هذا الطرح، رغم ما قد يبدو عليه من تعقيد، هو الحل الوحيد لتحقيق انتخابات تؤدي إلى دولة مستقرة وديمقراطية، حيث يربط العملية الانتخابية بشكل مباشر ومؤسس لبناء الدولة القوية.