رغيف الخبز.. أزمة متجددة بين الحكومة والمخابز
يعد الخبز أحد أساسيات حياة المواطن الليبي، ومنذ سنوات، أصبح الرغيف محط أنظار النقاشات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد. ففي ظل التقلبات الاقتصادية وتزايد معدلات التضخم، بات الوصول إلى رغيف بسعر معقول يشكل تحديًا للأسر وأصحاب المخابز على حدٍ سواء، مما يثير جدلاً متجددًا حول قضية حساسة في حياة المواطن.
في خطوة تهدف إلى تخفيف العبء على المواطنين، أصدرت وزارة الاقتصاد في حكومة الدبيبة المنتهية ولايتها قرارًا يلزم المخابز بتحديد سعر رغيف الخبز عند ربع دينار، بوزن 100 غرام. ولكن هذا القرار ووجه بمعارضة كبيرة من قبل أصحاب المخابز الذين يعانون من ارتفاع تكاليف الإنتاج، ما جعل الالتزام بهذا السعر ضربًا من التحدي. يقول أحد أصحاب المخابز في طرابلس: “السعر المحدد لا يغطي حتى تكلفة المكونات الأساسية كالخميرة والزيت، فضلاً عن أجور العمالة التي ارتفعت بشكل كبير”.
ويواجه أصحاب المخابز تحديات في الالتزام بالوزن المحدد للرغيف، حيث يلجأ الكثيرون إلى خفض وزن الرغيف إلى 50 غرامًا وتقديم ثلاث أرغفة مقابل دينار واحد كحل وسط لتغطية النفقات. ويرجع ذلك إلى أن أسعار الدقيق، وهي المادة الرئيسية، شهدت تقلبات مستمرة، حيث انخفضت من 300 دينار إلى 220 دينارًا للقنطار مؤخرًا، ولكن أسعار المواد الأخرى كخميرة الخبز والزيت لا تزال مرتفعة نسبيًا. كما أن نقص العمالة الأجنبية زاد من تكاليف الأيدي العاملة، مما صعّب من وضعية أصحاب المخابز.
وتعتمد ليبيا بشكل كبير على واردات القمح، حيث تشير الإحصائيات إلى أن البلاد تستورد نحو 90% من احتياجاتها من القمح اللين. في العام 2023 وحده، ارتفعت واردات القمح بنسبة 14%، إذ بلغت 1.79 مليون طن بتكلفة وصلت إلى 533 مليون دولار. وقد أدى ذلك إلى زيادة أسعار الخبز، خاصة بعد رفع الدعم الحكومي عن الدقيق في منتصف عام 2015، مما ضاعف من تكلفة الرغيف على المواطن.
أمام هذه التحديات، يقترح محللون اقتصاديون مثل محمد الشيباني حلاً وسطًا يدعم المخابز عبر خفض الرسوم الجمركية على واردات الدقيق، وتقديم المواد الخام بأسعار مدعومة، ليتمكن المواطن من الحصول على رغيف بسعر مناسب، مع تحقيق أرباح معقولة للمخابز. يرى الشيباني أن هذه الإجراءات قد تحد من تضخم الأسعار وتحقق استقرارًا نسبيًا في السوق، حيث يمكن لتوفير الدقيق بأسعار معقولة أن يسهم في خفض تكلفة الإنتاج وتجنب خسائر كبيرة للمخابز.
ارتفعت نسبة التضخم في ليبيا إلى 2.7% في سبتمبر الماضي، مما زاد من تكاليف السلع الأساسية، ولا سيما في قطاع الأغذية. وباتت الأسعار المرتفعة تشكل ضغطًا إضافيًا على المواطن الذي يواجه تحديات اقتصادية متعددة. ويرى تجار الطحين أن ارتفاع أسعار الدقيق بنسبة 30% ناتج عن فرض ضريبة الدولار بنسبة 27%، ومع تخفيض الضريبة لاحقًا إلى 7%، شهدت الأسعار انخفاضًا طفيفًا لكنه غير كافٍ للتخفيف عن كاهل المواطن.
على الرغم من هذه التحديات الاقتصادية الكبيرة، لا تزال قضية الرغيف في ليبيا تتطلب حلولاً جذرية ومتكاملة، تستهدف تعزيز الإنتاج المحلي للقمح وتحقيق اكتفاء ذاتي يخفف من عبء الاستيراد. وقد تكون التدابير المقترحة من قبل الخبراء الاقتصاديين مثل دعم المخابز وتخفيض الرسوم الجمركية خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها تحتاج إلى إرادة سياسية ورؤية استراتيجية تتجاوز الإجراءات المؤقتة.