منذ تولي ستيفاني خوري مهام القائم بأعمال المبعوث الأممي لدى ليبيا، ستيفاني خوري، تكاثفت الآمال بشأن دورها في تحريك المياه الراكدة في المشهد السياسي ، الذي طالما أرهقه الجمود والانقسام. ومع اقتراب موعد إحاطتها الرابعة أمام مجلس الأمن الدولي، ترتفع التوقعات بأن تحمل في جعبتها خارطة طريق واضحة المعالم تُمهد لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية المنتظرة.
خلال الأسبوعين الماضيين، عاشت الساحة الليبية حراكًا دبلوماسيًا مكثفًا، تخلله لقاءات ماراثونية جمعت خوري بأطراف محلية وغربية. وبينما عدَّ البعض هذه التحركات إشارة جدية نحو حلول عملية للأزمة، أبدى آخرون تشاؤمهم استنادًا إلى تجارب المبادرات السابقة التي انتهت بالفشل.
على الرغم من التعقيدات السياسية التي تعصف بليبيا، يترقب الليبيون إعلان خريطة طريق تُخرج البلاد من النفق المظلم، وتجلب أفقًا جديدًا نحو الاستقرار. خوري، بحسب مصادر مطلعة، تخطط لإطلاق مبادرة تُركز على معالجة العقبات التي تعترض المسار الانتخابي. ويتوقع المحلل السياسي محمد محفوظ أن تتضمن هذه المبادرة تشكيل لجان فنية مختصة في القضايا الانتخابية والاقتصادية والأمنية.
في تصريحات صحفية رصدتها“أخبار ليبيا 24“، أكد محفوظ أن البعثة الأممية قد تضيف ضمانات دولية تمنع أي محاولات لعرقلة العملية الانتخابية، مع الإصرار على ضرورة تفادي الوقوع في فخ التفاهمات الفاشلة السابقة التي زادت من تعقيد المشهد السياسي.
يبدو أن المجتمع الدولي بات أكثر وعيًا بضرورة إيجاد حلول مستدامة للأزمة الليبية، بعيدًا عن الحلول المؤقتة التي انتهت جميعها بمزيد من التصدعات السياسية. محفوظ يرى أن المبادرة المرتقبة يجب أن تُبنى على أسس شفافة، مع التأكيد على عدم السماح لأي اختراقات أو انحرافات تُعيد البلاد إلى نقطة الصفر.
وفيما يتعلق بتشكيل الحكومة، يشدد محفوظ على أن الخطوة الأولى تتمثل في خلق توافق حول القوانين الانتخابية، وهو ما قد يتطلب تشكيل لجنة مختصة ذات عضوية محدودة ومهام واضحة. ويرى أن هذه الخطوة ستكون البداية الحقيقية لتجاوز حالة الانسداد الحالية.
رغم الجهود التي تبذلها خوري لجمع الدعم الدولي لمبادرتها، إلا أن التحديات لا تزال كبيرة. فليبيا ليست وحدها في المعادلة، إذ تتداخل المصالح الإقليمية والدولية، ما يضيف تعقيدات جديدة إلى المشهد. الدول الكبرى، من خلال البعثة الأممية، تبدو مصممة على الدفع نحو إجراء الانتخابات، لكن يبقى السؤال: هل ستتمكن من تجاوز الألغام السياسية التي زرعتها سنوات طويلة من الانقسامات؟
محفوظ يرى أن أي خريطة طريق جديدة لن تنجح إلا إذا تضمنت آليات تنفيذية واضحة تضمن عدم الانحراف عن المسار المرسوم. ويضيف أن “المجتمع الدولي لن يسمح بأن تكون الحكومة المقبلة مجرد نسخة مكررة من الحكومات السابقة التي قامت على أساس صفقة تقاسم السلطة، سرعان ما انهارت وتجدد الخلاف بين أطرافها”.
لا يمكن الحديث عن مبادرة خوري دون استرجاع ما سبقها من جهود أممية. فمنذ تولي ستيفاني ويليامز المهمة، مر المشهد الليبي بمحطات مفصلية، كان أبرزها ملتقى الحوار السياسي الذي أسفر عن تشكيل حكومة الدبيبة منتهية الولاية. لكن هذه الحكومة فشلت في تحقيق توافق حول الإطار القانوني للانتخابات، ما أدى إلى تعميق الأزمة.
تُدرك خوري أن نجاحها يكمن في قدرتها على استنباط دروس الماضي، والعمل على تفادي الأخطاء التي وقع فيها أسلافها. وهذا يتطلب أن تكون مبادرتها أكثر شمولية وتركيزًا على تحقيق الأهداف الاستراتيجية، بدلاً من الاكتفاء بحلول مؤقتة.
إحاطة خوري أمام مجلس الأمن تأتي في توقيت حساس، حيث يحتاج الليبيون إلى بارقة أمل تُعيد لهم الثقة في العملية السياسية. ورغم صعوبة المهمة وتعقيداتها، يظل الأمل معقودًا على قدرة البعثة الأممية والمجتمع الدولي على دفع البلاد نحو الاستقرار.
ومع استعداد خوري لعرض مبادرتها المرتقبة، يبقى السؤال: هل ستنجح في رسم مسار جديد يُحقق التوافق المنشود، أم أن ليبيا ستظل أسيرة الجمود السياسي؟ الإجابة عن هذا السؤال ستتضح في الأسابيع المقبلة، لكنها بلا شك ستعتمد على مدى قدرة الليبيين والمجتمع الدولي على تجاوز تحديات الماضي والانطلاق نحو المستقبل