في خطوةٍ دبلوماسية غير متوقعة، حطّت طائرة القائد العام للقوات المسلحة العربية الليبية، المشير خليفة حفتر، في العاصمة البيلاروسية مينسك، وسط تكتم رسمي حول جدول أعمال الزيارة التي لم يسبق الإعلان عنها. زيارة تأتي في وقت تشهد فيه الساحة الدولية تحولات متسارعة، مما يفتح الباب أمام تساؤلات حول طبيعة التعاون الليبي-البيلاروسي، خاصة في ظل التوجهات الجديدة للجيش الليبي نحو تنويع تحالفاته الاستراتيجية.
لطالما تركزت زيارات المشير حفتر على دول ذات تأثير مباشر في الملف الليبي. لكن التحول إلى بيلاروسيا يحمل في طياته أبعادًا تتجاوز التعاون التقليدي. فبيلاروسيا تُعتبر دولة ذات قدرات صناعية وعسكرية متقدمة، ما قد يجعلها شريكًا استراتيجيًا جديدًا في مسيرة الجيش الليبي نحو تعزيز قدراته الدفاعية.
وبحسب المحلل السياسي محمد امطيريد، في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24” فإن “بيلاروسيا ليست مجرد محطة عبور، بل هي دولة تمتلك خبرات واسعة في مجالات التسليح والتكنولوجيا العسكرية، مما قد يفتح المجال لتعاون طويل الأمد بين الطرفين”.
تمتلك بيلاروسيا قاعدة صناعية عسكرية متطورة، حيث تعد من الدول الرائدة في تطوير الأنظمة الدفاعية الحديثة، وصيانة المعدات العسكرية الروسية، وهو ما يجعلها شريكًا مثاليًا لجيش يسعى إلى تحديث منظومته الدفاعية دون الخضوع لضغوط غربية.
تحركات المشير حفتر لم تكن يومًا مجرد زيارات بروتوكولية، بل جاءت دائمًا في سياق تحولات جذرية تعيد تشكيل موازين القوى في ليبيا وشمال إفريقيا. فمنذ سنوات، اعتمد الجيش الليبي على دعم محدود من قوى إقليمية، لكنه يسعى الآن إلى توسيع خياراته الاستراتيجية، بما يعزز استقلالية قراره العسكري بعيدًا عن الضغوط الغربية التقليدية.
يرى امطيريد أن “هذه الزيارة قد تعزز من الحضور الإقليمي للجيش الليبي، خاصة أن بيلاروسيا تتطلع إلى توسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي في شمال إفريقيا، وهو ما يفتح المجال أمام شراكات مستقبلية تتجاوز الجانب العسكري لتشمل مجالات مثل البنية التحتية، والصناعات الغذائية، والزراعة”.
بيلاروسيا ليست فقط دولة صناعية عسكرية، بل تمتلك خبرات واسعة في مجالات الزراعة والصناعات الغذائية، وهو ما قد يكون محل اهتمام للقيادة الليبية، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد.
وقد تكون هذه الزيارة بداية لمرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي، حيث يمكن أن تساهم بيلاروسيا في مشاريع إعادة إعمار المدن التي تأثرت بالصراع، بالإضافة إلى تقديم حلول في مجالات التنمية الزراعية، التي تُعتبر ركيزة أساسية لتحقيق الأمن الغذائي في ليبيا.
رغم أهمية هذه الزيارة، فإنها تطرح تحديات على مستوى التوازنات الدولية، حيث قد تواجه ليبيا ضغوطًا غربية في حال تعميق علاقاتها مع بيلاروسيا، خاصة في ظل التوترات القائمة بين مينسك والاتحاد الأوروبي. لكن في المقابل، فإن القيادة العامة للجيش الليبي تدرك أهمية تنويع تحالفاتها لتجنب الارتهان لجهة واحدة.
ويبدو أن المشير حفتر يسير وفق رؤية استراتيجية متكاملة، تهدف إلى خلق شبكة من العلاقات الدولية تضمن استقلالية الجيش الليبي في اتخاذ قراراته، وتعزز قدرته على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.
زيارة المشير حفتر إلى بيلاروسيا ليست مجرد خطوة عابرة، بل تحمل بين طياتها دلالات استراتيجية عميقة، تشير إلى توجه الجيش الليبي نحو تعزيز استقلاليته، وتوسيع خياراته العسكرية والاقتصادية. وبينما تبقى تفاصيل هذه الزيارة غير معلنة رسميًا، فإن الرسائل السياسية والعسكرية التي تحملها تبدو واضحة.. ليبيا ترسم خارطة جديدة لعلاقاتها الدولية، وفق حسابات دقيقة تراعي التوازنات الإقليمية والدولية.