مع حلول شهر رمضان المبارك، تتحول أسواق طرابلس إلى مسرح لحالة من التقلبات السعرية الحادة، حيث يواجه المستهلكون موجة من الارتفاعات غير المسبوقة في أسعار الخضروات والفواكه، مما يثير استياءً واسعًا بين المواطنين. وبينما تتفاوت التفسيرات لهذا الغلاء الموسمي، يبقى السؤال الأهم: هل هو انعكاس طبيعي لقوانين العرض والطلب، أم نتيجة لممارسات احتكارية تخنق الأسواق؟
قفزات سعرية تفاجئ الأسواق
في جولة ميدانية لـ مراسل “أخبار ليبيا 24” بأسواق طرابلس، تبدو الصورة واضحة: ارتفاعات متسارعة في أسعار الخضروات والفواكه تضعف القدرة الشرائية لدى الأسر الليبية. الخيار، الذي كان متاحًا بسعر 6 دنانير للكيلوغرام، يقفز فجأة إلى 12 دينارًا، في حين يتجاوز سعر الفلفل الأخضر حاجز الـ7 دنانير بعد أن كان بـ5 دنانير فقط. أما الفاكهة، فلم تكن بمنأى عن هذه الارتفاعات، إذ صعد سعر الموز من 7 دنانير إلى 10 دنانير، وقفز الكيوي من 15 إلى 20 دينارًا، وسط توقعات بمزيد من الزيادات مع تقدم الشهر الكريم.
التجار: العرض والطلب يحددان الأسعار
تفسيرات التجار لهذه الطفرة السعرية تتجه نحو القوانين الاقتصادية الطبيعية. يقول أحد تجار الخضروات في سوق باب العزيزية: “مع دخول رمضان، يزداد الإقبال بشكل كبير على المنتجات الغذائية، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل تلقائي. نحن لا نتحكم في هذه الزيادة، وإنما نخضع لما تمليه السوق علينا”. من وجهة نظره، فإن ارتفاع الطلب يقابله نقص جزئي في المعروض، ما يفسر الزيادة المفاجئة للأسعار.
الكوسا: الاستثناء المثير للدهشة
وسط موجة الغلاء هذه، برزت ظاهرة استثنائية أثارت تساؤلات كثيرة: انخفاض سعر الكوسا من 5 دنانير إلى دينار واحد فقط. هذا الانخفاض غير المتوقع عُزيَ إلى زيادة العرض المفاجئ، حيث تدفقت كميات كبيرة من الكوسا إلى الأسواق، ما أدى إلى تراجع سعرها بشكل لافت. هذا الاستثناء الوحيد يكشف عن تأثير المعروض المباشر في تحديد السعر، ويثير تساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء عدم استقرار أسعار بقية المنتجات.
المستهلكون: بين الغضب والعجز
على الجانب الآخر، يتحدث المواطنون بنبرة مختلفة، حيث يرون في هذه الزيادات استغلالًا متكررًا لمواسم الإقبال الكثيف. يقول أحد المتسوقين في سوق الحي الإسلامي: “كل عام نفس المشكلة، الأسعار تقفز مع رمضان وكأنها مؤامرة ضد المواطن البسيط. لا نجد أي رقابة فعلية، والتجار يرفعون الأسعار بلا مبرر واضح”. فيما تطالب سيدة أخرى بضرورة تدخل الجهات المسؤولة لكبح جماح الأسعار، متسائلة: “كيف يمكن أن تتضاعف الأسعار بهذه الطريقة في بضعة أيام فقط؟”.
دور الحكومة والرقابة الغائبة
الجهات الحكومية المعنية بمراقبة الأسعار تبدو غير قادرة على فرض رقابة صارمة، حيث تبرر موقفها بأن السوق يخضع لمعادلة العرض والطلب التي لا يمكن التحكم بها بالكامل. يقول أحد المسؤولين المحليين: “نحن نراقب الأسواق بشكل مستمر، لكن هناك عوامل خارج سيطرتنا، مثل تكاليف النقل والتوريد، التي تؤثر بشكل كبير على الأسعار”.
هل الأسعار إلى مزيد من الارتفاع؟
مع استمرار شهر رمضان، تبقى التوقعات مفتوحة أمام مزيد من الارتفاعات السعرية، خاصة مع استمرار ارتفاع الطلب وعدم وجود سياسات حكومية صارمة لضبط الأسواق. وبينما يبقى المستهلك هو الحلقة الأضعف في هذه المعادلة، يظل التساؤل قائمًا: إلى متى ستظل الأسعار رهينة الفوضى الموسمية؟