ليبيا الان

طرابلس رهينة التهديدات: مواطنون بين سندان الفوضى ومطرقة السلاح

مصدر الخبر / قناة ليبيا 24

عبدالعزيز الزقم – ليبيا 24

            •           تصاعد القلق الشعبي في طرابلس دون توضيح رسمي.

            •           تحركات عسكرية تثير الذعر في أوساط السكان.

            •           الحكومة غائبة، والمليشيات تتحرك بحرية.

            •           المدنيون يستبقون المواجهة بالنزوح والتخلي عن أعمالهم.

            •           لا مؤشرات على نوايا حقيقية لضبط الوضع أو حماية الأهالي.

طرابلس المنهكة: مدينة تترنّح بين فراغ الدولة وفوضى السلاح

في طرابلس، لا يحتاج الناس إلى نشرات أخبار أو مؤتمرات صحفية ليدركوا أن الخطر قادم، المدينة التي تنبض بالحياة على مضض، تشهد اليوم نزيفًا صامتًا في كل ركن. وجوه القلق صارت مرآة لحقيقة واحدة: أن لا أحد مسؤول، وأن لا جهة تمثلهم. فالدولة غائبة، والمليشيات تتصرف كأن البلاد ضيعة تُدار بالغلبة.

لا يُستفتى المواطن في قرارات الحرب، ولا يُؤخذ رأيه حين تُجهّز الجبهات. كل ما يُطلب منه أن ينتظر، أن يتحمّل، أن يتألم بصمت.

وما يُؤلم أكثر هو أن يشعر الإنسان بأن حياته رهينة لصراعات لا يفهمها، تُحاك في الظلام وتنفجر على رؤوس الأبرياء.

الأمان.. حلم غائب عن الأزقة

في الأزقة العتيقة التي شهدت ولادة أجيال من الليبيين، تحوّلت الحياة اليومية إلى مجازفة. المارة يسرعون خُطاهم، لا لأنهم مستعجلون، بل لأن الشوارع لم تعد آمنة، المتاجر تُغلق مبكرًا، والمدارس تؤجل أنشطتها، والناس يتهامسون بأخبار التحركات العسكرية كأنها أسرار محرمة.

في حي زاوية الدهماني، لا صوت يعلو فوق صوت القلق، سيارات تتحرك ليلاً بلا لوحات، وشباب لا تعرف من أين جاؤوا يقيمون نقاط تفتيش غير رسمية، كل ذلك في غياب تام لأجهزة الدولة، التي لم تصدر حتى الآن بيانًا واحدًا يبدد الشك أو يضع النقاط على الحروف.

سلطة غائبة.. ومليشيات حاضرة

ما يُعرف بالحكومة لا يظهر إلا في التصريحات التلفزيونية، تلك التي تُبث لتخويف الخصوم وليس لطمأنة الشعب. والنتيجة واحدة: لا فرق بين من يُهدد بسحق الخارجين عن القانون، ومن هم في الأصل خارج أي قانون.

تسقط هيبة الدولة حين يصبح التهديد أداة تفاوض، وحين يُستخدم اسم “العملية العسكرية” كغطاء لتصفية الحسابات. والمواطن، بين هذه التوازنات الخشبية، لا يجد سوى باب الهروب أو الاحتماء في المجهول.

من يجرؤ على الطمأنة؟

لا أحد يطمئن الناس، لا في الحكومة ولا في البعثات الدولية. الأمم المتحدة تُصدر بيانات خشبية تطالب “جميع الأطراف” باحترام المدنيين، وكأن من ينشر الفوضى سيُحرج من النداء ويغادر بهدوء.

أما الأجهزة الرسمية، فهي تمارس الصمت كخيار استراتيجي، ما جعل الناس يُفسرون الغموض على أنه تواطؤ، أو عجز.

الفرار خيار لا رفاهية

حين يفكر المواطن في النزوح من منزله إلى الضواحي لمجرد الإحساس بقدوم الخطر، فاعلم أن شيئًا ما انهار تمامًا، لا أحد يترك بيته وأحلامه لمجرد إشاعة، لكن حين تُصبح الإشاعة أقرب إلى الحقيقة من تصريحات الرسميين، يصبح الخوف سببًا كافيًا لتغيير الحياة كلها.

في جنوب طرابلس، بدأت بعض الأسر تتنقل طواعية إلى أماكن أقل توترًا، رغم أن لا مكان في ليبيا محصن فعليًا. ولكنها غريزة البقاء، تلك التي تدفع الأب لحمل أطفاله والرحيل، حتى لو لم تُطلق رصاصة واحدة بعد.

الخبز والتعليم.. ضحايا قبل الحرب

في طرابلس، حتى قبل اندلاع الرصاص، تُصاب الحياة بالشلل. أحد أصحاب المحال التجارية في سوق الجمعة قرر التوقف عن شراء المواد سريعة التلف خوفًا من انقطاع الكهرباء أو الاشتباكات المفاجئة. “ما نقدرش نخسر كل شي”، هكذا قالها وهو يُغلق ثلاجته.

وفي أحد المراكز التعليمية، أوقفت أم ثلاثة أطفال دروس التقوية الصيفية، خشية أن يُغلق الطريق أو يتعذر الخروج. “الدراسة ممكن تتعوض، لكن حياتهم لا”، قالتها وهي تنظر إلى الطريق بحذر وكأنها تنتظر صفارة إنذار غير معلنة.

سائق التاكسي الذي لا يعرف أين يبيت سيارته

خليل، شاب ثلاثيني من منطقة طريق الشوك، يمتلك سيارة أجرة يُعيل بها أسرته. لكن هذه السيارة، التي تمثّل كل شيء بالنسبة له، أصبحت عبئًا ثقيلًا في ظل التوتر القائم، “ما عنديش مكان نحطها فيه وقت القتال، ومش ضامن ألاقيها في الصباح”، هكذا تحدّث وهو يفكر في حلول لا يملك مفاتيحها.

الحياد المستحيل في مدينة مسلحة

لا أحد يملك ترف الحياد في مدينة أصبحت خارطة نفوذ متنقلة. الانتماء اليوم ليس لراية أو لفكرة، بل للبقاء. والمشكلة أن كل طرف يرى في الآخر تهديدًا لا بد من سحقه، بينما لا يرى أحد في المواطن سوى تفصيل زائد.

حين يُصبح السكوت عن التوتر خيانة، والحديث عنه تُهمة، يعيش الناس في قلق يومي، يحاولون التظاهر بالهدوء بينما الغليان في صدورهم يتصاعد مع كل ليلة دون إجابة.

أين الدولة؟

هذا هو السؤال الجوهري. ليس من يملك القرار العسكري، بل من يتحمل مسؤولية أرواح الناس، من يشرح للناس ما يحدث، من يتحرك قبل الانفجار لا بعده.

الناس لا يريدون خططًا أمنية طويلة المدى، ولا شعارات عن محاربة الفساد، ولا مناورات لفظية ضد “المليشيات” يريدون فقط ضمانات حقيقية ألا تنهار المدينة مجددًا، ألا يستيقظوا ذات يوم على دوي قذيفة تسقط في باحة مدرسة أو تسحق عربة تمر في الشارع.

الحرب لم تبدأ.. لكنها حاضرة

كل المؤشرات تقول إن المواجهة لم تبدأ رسميًا، لكنها بدأت فعلًا في عقول الناس. حين تُغلق المحال، ويؤجل الناس أفراحهم، وتُلغى المناسبات، وتُجهّز حقائب الطوارئ، فالحرب قائمة، حتى لو لم يكتبها الإعلام بعد.

ختامًا: لا تنتظروا الحرب لتُحسَب الخسائر

ربما لم تُطلق أول رصاصة بعد، لكن من قال إن الرصاصة وحدها تقتل؟ القلق يُميت، والخوف يُخرس، واللامبالاة تُدمر والخسائر اليوم لا تُقاس بعدد القتلى فقط، بل بعدد من توقف عن الحلم، وعدد من قرر أن وطنه لم يعد مكانًا آمنًا لعيش كريم.

ما يحدث في طرابلس ليس تمهيدًا لمعركة فحسب، بل هو مشهد من مشاهد الانهيار البطيء لوطن يُداس بالصمت والسلاح.

يمكن قراءة الخبر من المصدر من هنا

عن مصدر الخبر

قناة ليبيا 24