ليبيا الان

استدعاء دولي يزلزل كرسي عبد الحميد الدبيبة.. الشعب يتّهم والعدالة تتحرك

مصدر الخبر / قناة ليبيا 24

عبدالعزيز الزقم- ليبيا 24

الدبيبة بين شبح العدالة الدولية وغضب الليبيين.. حين يتهاوى القناع وتُفتح ملفات الخيانة

في لحظة لم يتوقعها أكثر المتشائمين، تحوّل رئيس الحكومة منتهية الولاية، عبد الحميد الدبيبة، من رجل يُمسك بمفاتيح الخزانة الليبية إلى متهم على عتبة القضاء الدولي، في مشهد يرقى إلى دراما سياسية عالمية، تتقاطع فيها خيوط المال والنفوذ والفساد، وترتسم في خلفيتها ملامح وطن مثخن بالجراح، وشارع غاضب لم يعد يحتمل الأكاذيب.

في 8 يوليو الجاري، أعلنت اللجنة الدولية لمكافحة الفساد والجريمة المنظمة (ICOCC) إصدار مذكرة استدعاء رسمية بحق الدبيبة، تطالبه فيها بالمثول أمامها في مقرها بجنيف يوم 13 أغسطس، بعد تحقيقات وصفت بـ”الأوسع” في تاريخ المؤسسة بشأن مسؤول سياسي على رأس عمله.

لكن ما الذي يحدث؟

وكيف تحوّل رئيس الحكومة إلى متهم دولي؟

ولماذا يفتح هذا الملف الباب على مصراعيه لغضب شعبي قد لا يُحتوى بسهولة؟

■ عندما يصبح رئيس الحكومة مشتبهًا به

الاتهامات ليست مجرد روايات أو تسريبات سياسية، بل وثائق رسمية تتحدث بلغة الأرقام: مليارات الدولارات أُهدرت في مشاريع لم تُنفذ، اعتمادات مستندية مشبوهة منحت لشركات مرتبطة بالدبيبة وأقاربه، ووثائق مزورة استخدمت لنهب المال العام باسم التنمية والإعمار.

أسوأ من ذلك، تشير الوثائق إلى تورط مباشر في صفقات استيراد أسلحة من دول أفريقية وشرق أوروبية، رغم الحظر الدولي المفروض على ليبيا منذ أكثر من عقد.

 تقول اللجنة إن الأموال الليبية استخدمت في تمويل جماعات مسلحة، بعضها متطرف، وإن الطيران المدني الليبي نُقل من مهمته الطبيعية إلى وسيلة سرية لنقل الأسلحة والأموال النقدية.

ليست هذه مجرد خروقات، بل انتهاكات سيادية، ومخالفات تمس جوهر الدولة، وتضع مصداقية ليبيا برمتها في مرمى النار.

■ ليبيا الجريحة.. بلد تُنهب تحت راية الدولة

على الأرض، يعرف الليبيون أن ما يجري ليس غريبًا، فهم من يعيشون الواقع الكارثي كل يوم: كهرباء منهارة، مياه شحيحة، رواتب لا تكفي قوت أسبوع، شباب يهاجرون في قوارب الموت، ومدن ترزح تحت الإهمال والتهميش.

كل هذا، بينما تُضخ الملايين في صفقات مشبوهة، ومكاتب فخمة، وأسفار دولية باسم “التمثيل الحكومي”، في الوقت الذي يتحول فيه الوطن إلى مسرح للنهب الممنهج.

في كل شارع ليبي، تُسمع جملة واحدة: “الدولة تُدار كأنها شركة عائلية”، وهذه المذكرة الدولية لم تكن سوى إثبات رسمي لهذا الواقع المذل.

■ الدبيبة: من مهندس إلى محتال في أعين الليبيين؟

حين صعد عبد الحميد الدبيبة إلى رأس الحكومة، قدّم نفسه على أنه رجل الحلول، صاحب المشاريع الكبرى والوعود الوردية.

لكن ما حدث خلال سنوات حكمه كشف عن وجه آخر تمامًا: رجل لا يعرف الدولة إلا كصندوق مال مفتوح، يُوزع ثرواتها بحسب الولاء، ويُدير الملفات الخطيرة كأنها استثمارات شخصية.

لم يكن الدبيبة رئيسًا لحكومة بقدر ما كان قائد أوركسترا فساد، يُنسق بين المصرف المركزي وشبكات المقاولات الوهمية، ويبتكر خططًا للنهب بإتقان شديد، مع جرعة دعاية إعلامية تُسكر الشارع، وتُغيب الوعي الوطني.

■ من الداخل إلى الخارج: سقوط الأخلاق السياسية

لكن الانهيار لم يقتصر على الداخل. فحين يُتهم رئيس حكومة بتهريب أموال نقدية إلى مالي والنيجر، وبتمويل جماعات مسلحة في إفريقيا، فهذا يُعد خيانة مزدوجة: أولًا لشعبه، وثانيًا لدور ليبيا الإقليمي والدولي.

بل إن استمرار الدبيبة في موقعه، رغم كل هذه الفضائح، يكشف عن ضعف النظام المؤسساتي، وانهيار منظومة الرقابة، وتحول بعض وسائل الإعلام إلى أداة تطبيل لا أكثر.

■ الشارع يغلي.. والرماد لم يبرد بعد

في الأحياء الشعبية، والمقاهي، وعلى صفحات التواصل، لا أحد يدافع عن الرجل، الكل غاضب، الكل ناقم. ليس لأنهم يعرفون كل التفاصيل، بل لأنهم يعرفون ما يكفي: أن ثرواتهم تُنهب، وأن دولتهم تُباع قطعة قطعة.

الوجع في ليبيا ليس نظريًا، بل وجع معاش حين تذهب أم إلى المستشفى فلا تجد دواءً لطفلها، أو حين يخرج شاب يحمل شهادة عليا ليبيع السجائر على الرصيف، أو حين يُطفأ نور الكهرباء في عز الصيف وتُترك العائلات تُصارع الحر، فهنا يتولد الغضب الحقيقي، غضب لا يمكن تزييفه أو تهدئته بخطاب أو تصريح.

■ هل نقترب من لحظة الحساب؟

السؤال الأكثر إلحاحًا الآن: هل يذهب الدبيبة إلى جنيف؟ وهل تمتلك المؤسسات الليبية الإرادة لمحاسبته إن لم يفعل؟

اللجنة الدولية أكدت أنها سترسل فريقًا خاصًا إلى ليبيا في حال تخلفه عن الحضور، وأنها ستنسق مع “السلطات المحلية” لكن هذه السلطات نفسها، متهمة بالتواطؤ، ومشلولة بالإرادة السياسية، ما يجعل المسار القضائي محفوفًا بالتحديات.

ومع ذلك، فإن رفع الملف إلى القضاء الدولي، والضغط الإعلامي المستمر، والتفاعل الشعبي المتصاعد، قد يشكل ثلاثي ضغط لا يُستهان به. لأن قضية بهذا الحجم لا يمكن دفنها ببساطة.

■ الذاكرة الليبية لا تغفر

الليبيون ليسوا بحاجة لتقارير دولية كي يقتنعوا بفساد حكومتهم، فهم يعيشونه كل يوم. لكن هذه المذكرة الدولية وفّرت ما يشبه “الوثيقة القانونية” لما كان يُقال همسًا، أو يُسرب خفية.

وإذا كانت العدالة البطيئة قد خذلتهم مرارًا، فإن شعورهم هذه المرة أن ورقة أخيرة سُحبت من يد النظام، وأن الأيام المقبلة قد تحمل مفاجآت تغير المعادلة.

■ في الختام: هل نسير نحو نهاية عهد الفساد؟

قد لا تكون مذكرة جنيف نهاية لعبد الحميد الدبيبة، لكنها بالتأكيد بداية نهايته السياسية والأخلاقية.

لأن الرجل الذي يواجه اليوم هذه التهم، لم يعد فقط فاشلًا في الإدارة، بل بات رمزًا للنهب، وصورة مكبرة للفساد السياسي في أسوأ حالاته.

وهنا، تصبح محاسبته واجبًا وطنيًا، لا خيارًا سياسيًا، لأن الدولة التي لا تحاكم فاسديها، تدفع شعبها إلى الانتقام، وتفتح أبواب الفوضى من جديد.

أما ليبيا، فآن لها أن تُطهر جسدها المثقل من الطفيليات، وتكتب فصلًا جديدًا، لا مكان فيه لمن باع وخان.

يمكن قراءة الخبر من المصدر من هنا

عن مصدر الخبر

قناة ليبيا 24