لم يكن سقوط جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات البلدية الليبية الأخيرة حدثًا عابراً، بل محطة جديدة في مسار طويل من التراجع السياسي والتنظيمي.
فالجماعة التي قدّمت نفسها بعد 2011 باعتبارها القوة الأكثر تنظيمًا، تجد نفسها اليوم عاجزة عن الحفاظ على حضورها حتى داخل مناطق كانت تُعد معاقلها التقليدية، بعدما وجّه الناخب الليبي بوصلة اختياره نحو القوائم المدنية المستقلة التي رفعت شعارات خدماتية بعيدة عن الاستقطاب الأيديولوجي.
وجاءت المؤشرات الأبرز من بلدية زليتن، حيث فشلت قائمة “الرسالة” المحسوبة على الإخوان أمام قائمة “البصمة” المستقلة، في مشهد وصفه مراقبون بأنه تجسيد لانهيار “الخزان الاجتماعي” الذي طالما راهنت عليه الجماعة.
وتكرر الحال نفسه في طرابلس وعدة بلديات بالمنطقة الغربية، حيث بدا أن الشارع حسم خياره لصالح قوائم تتحدث عن الكهرباء والطرق والأمن بدلاً من الخطاب الديني.
يرى مراقبون أن هذه النتائج لم تكن مفاجِئة، بل استمرار لتراجع بدأ منذ أولى التجارب الانتخابية بعد ثورة فبراير. فالإخوان –بحسب تقديرات محللين– لم يملكوا يومًا قاعدة جماهيرية واسعة، وما تحقق لهم في انتخابات 2012 كان انعكاساً لطبيعة القوائم النسبية أكثر من كونه حضوراً حقيقياً على الأرض.
أما اليوم، فإن الناخب الليبي، وقد أصبح أكثر وعيًا، تجاوز تأثير الدعاية الدينية، ووجّه رسالة واضحة بأن المستقبل سيكون للقوى القادرة على تقديم التنمية والإعمار.
إلى جانب الهزيمة الانتخابية، تعاني الجماعة أزمة بنيوية داخلية، بعدما انقسم حزبها السياسي (العدالة والبناء) قبل أربعة أعوام، وانشق رئيسه السابق محمد صوان لتأسيس حزب جديد، بينما حاولت القيادة الالتفاف على حظر البرلمان لها بإعلان جمعية “الإحياء والتجديد”، لكن هذه التحولات لم تُجدِ نفعاً، إذ ظلّ الشارع يتعامل معها كجسم سياسي يعيش على الهامش.
وتشير تقارير انتخابية إلى أن المرحلة الثانية من الاستحقاق البلدي، التي شملت 26 بلدية بنسبة مشاركة بلغت 71%، جاءت لتؤكد هذا الاتجاه، إذ فضّل الناخبون القوائم المستقلة والمتنوعة، في انعكاس لرغبة مجتمعية متزايدة في تجديد المشهد المحلي بعيداً عن الاصطفافات التقليدية.
ولا تقف الهزيمة الثقيلة التي مُني بها الإخوان في الانتخابات البلدية الأخيرة عند حدود الخسارة السياسية، بل تمثل مؤشراً على أفول دورهم في المشهد الليبي، لصالح مسار جديد يتجه فيه الناخب إلى من يخاطب احتياجاته اليومية بعيداً عن الأيديولوجيا.
ومع استمرار الانقسامات الداخلية وتعثر محاولات إعادة التموضع، يبدو أن الجماعة تدخل مرحلة “الغياب السياسي التدريجي”، في وقت يبحث فيه الليبيون عن بدائل عملية تعيد الاستقرار والتنمية إلى بلدهم.
يمكن قراءة الخبر من المصدر من هنا