قدمت المبعوثة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، هانا تيتيه، إحاطتها الأخيرة أمام مجلس الأمن، مؤكدة أن الشعب الليبي ما زال يطالب بانتخابات تنهي حالة الانقسام الممتدة منذ سنوات. وأعلنت البعثة عن خارطة طريق جديدة تمتد حتى 18 شهراً، تهدف إلى تحقيق الاستقرار السياسي والمؤسسي، لكنها في الوقت نفسه حذرت من محاولات العرقلة من أطراف داخلية وخارجية. وبينما تتباين المواقف بشأن فرص نجاح المبادرة، يظل السؤال الأهم: هل تستطيع هذه الخارطة أن تنقل ليبيا نحو تسوية شاملة طال انتظارها؟
تشاؤم تجاه إمكانية التنفيذ
يرى أستاذ القانون والباحث السياسي رمضان التويجر أن الإحاطة الأممية كانت مخيبة للآمال، إذ لم تقدّم حلولاً عملية قابلة للتنفيذ. وذكّر بتجربة انتخابات 2021 التي فُرضت عليها “القوة القاهرة” قبل موعد الاقتراع بأيام، ما أدى إلى انهيار العملية برمتها.
واعتبر التويجر أن الحديث عن إجراء الانتخابات خلال 18 شهراً غير واقعي في ظل غياب ضمانات حقيقية، مضيفاً أن البعثة الأممية لا تملك صلاحية فرض حلول على الليبيين، بل يقتصر دورها على الدعم. كما أشار إلى أن الانقسام الدولي حول ليبيا يزيد الأزمة تعقيداً، مؤكداً أن الاستقرار لن يتحقق إلا بتوافق القوى الدولية المتدخلة.
رؤية إصلاحية مشروطة بالالتزام
في المقابل، قدّم الأكاديمي إلياس الباروني قراءة أكثر إيجابية، مشيراً إلى أن البعثة ركزت على تشكيل حكومة موحدة تشرف على الانتخابات وتعمل على توحيد المؤسسات المتنازعة. وأوضح أن اللجنة الاستشارية الأممية وضعت مسارات متدرجة تشمل إعداد دستور واضح وإجراء انتخابات وطنية شاملة.
وأكد الباروني أن نجاح الخارطة يتوقف على الالتزام بالجدول الزمني المحدد (18 شهراً)، مع ضرورة فرض عقوبات على المعرقلين، وضمان مشاركة عادلة للأطراف كافة. لكنه في الوقت نفسه أشار إلى تحديات كبيرة، أبرزها استمرار نفوذ الميليشيات المسلحة وغياب الإطار الدستوري، فضلاً عن الأزمات الاقتصادية التي قد تعيق الانتقال السلس للسلطة.
مقترحات متعددة وقلق من الفشل
أما المحلل السياسي حسام الدين العبدلي فأكد أن إحاطة تيتيه جاءت في ظل استمرار الجمود السياسي، مشيراً إلى أن اللجنة الاستشارية طرحت أربعة مقترحات لإنهاء الأزمة، حاز منها خيار إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة على تأييد أكثر من 22 ألف مواطن ليبي.
وأوضح العبدلي أن الخارطة الأممية تشترط إعادة تشكيل مجلس المفوضية العليا للانتخابات، وتوفير التمويل اللازم، وتشكيل حكومة موحدة مؤقتة في غضون شهرين. لكنه حذّر من أن فشل هذه الخطوات قد يدفع نحو خيار بديل يتمثل في إطلاق لجنة حوار موسعة تنبثق عنها هيئة تأسيسية وحكومة جديدة تقود البلاد نحو دستور مؤقت وانتخابات.
وبرغم إدراك البعثة لصعوبة الطريق، عبّر العبدلي عن تشاؤمه من قدرة مجلسي النواب والدولة على التوافق، مرجحاً أن تظل الأزمة رهينة الانقسام والمصالح الضيقة.
تُظهر المواقف المختلفة أن خارطة الطريق الأممية تمثل فرصة جديدة لكسر الجمود السياسي في ليبيا، لكنها في الوقت نفسه محاطة بتحديات داخلية وخارجية معقدة. فبينما يرى البعض أن نجاحها ممكن عبر الالتزام الدولي والضغط على الأطراف المعرقلة، يؤكد آخرون أن الانقسام المحلي والإقليمي يجعل من سيناريو الفشل أكثر ترجيحاً.
وبين هذين الاتجاهين، يبقى مستقبل ليبيا مرهوناً بمدى قدرة القوى الليبية على تغليب المصلحة الوطنية، ومدى استعداد المجتمع الدولي لتقديم دعم حقيقي يترجم الأقوال إلى أفعال..
يمكن قراءة الخبر من المصدر من هنا