ليبيا الان

تعويم الدينار.. بين الإصلاح والانتحار الاقتصادي

مصدر الخبر / قناة ليبيا 24

موضوع تعويم الدينار الليبي يثير جدلاً واسعاً في الأوساط الاقتصادية والسياسية، حيث حذر عضو مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي السابق، مراجع غيث، من خطورة المضي في هذا الخيار، واصفاً مجرد التفكير فيه بـ “الانتحار الاقتصادي”.

يأتي هذا التحذير في وقت تعاني فيه ليبيا من انقسام سياسي حاد، وضعف في مؤسساتها الاقتصادية، واعتماد شبه كلي على إيرادات النفط، إضافة إلى تصنيفات دولية تضعها في مراتب متقدمة على مؤشرات الفساد.

يقوم تعويم العملة على تحرير سعر الصرف وتركه يتحدد وفقاً لآليات العرض والطلب في السوق، بعيداً عن تدخل مباشر من المصرف المركزي. ورغم أن هذه السياسة قد تحمل بعض الإيجابيات، مثل تقليص الفجوة بين السعر الرسمي والموازي وجذب الاستثمارات الأجنبية، إلا أن تطبيقها في ليبيا يظل محفوفاً بالمخاطر نتيجة هشاشة الاقتصاد وغياب قاعدة إنتاجية متنوعة.

التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لتحرير سعر الدينار

أول تداعيات التعويم يتمثل في ارتفاع معدلات التضخم، إذ يؤدي انخفاض قيمة الدينار إلى زيادة أسعار السلع المستوردة، التي تمثل نحو 85% من احتياجات السوق الليبية. ومع ارتفاع الأسعار تتآكل القدرة الشرائية للمواطنين، ويزداد الضغط على الأسر محدودة الدخل، ما يرفع معدلات الفقر ويعمّق الأزمة المعيشية.

هذا التدهور الاقتصادي قد يقود بدوره إلى انعكاسات اجتماعية خطيرة، أبرزها تفاقم الاحتقان الشعبي نتيجة تراجع مستوى المعيشة، الأمر الذي قد يهدد الاستقرار السياسي الهش أصلاً. كما أن فقدان الثقة في السياسات النقدية سيعزز من نشاط السوق السوداء، ويفتح الباب أمام المضاربة بالعملة وتوسع الفوضى الاقتصادية.

إلى جانب ذلك، فإن اعتماد ليبيا شبه الكامل على النفط يجعلها عرضة للتقلبات في أسعار الخام العالمية، وهو ما قد يضاعف المخاطر في حال تطبيق التعويم. وفي غياب مصادر دخل بديلة، يصبح الاقتصاد الوطني أكثر هشاشة أمام أي هبوط في أسعار النفط.

أما على مستوى القطاع المصرفي، فإن ضعف البنية التحتية المالية وعدم امتلاك المصارف لأدوات كافية لإدارة تقلبات سعر الصرف قد يؤدي إلى أزمات سيولة، ويقوض ثقة المودعين، مما يهدد الاستقرار النقدي بشكل مباشر. وتضاف إلى ذلك مخاوف من أن يشكل التعويم بوابة خلفية لتغذية أنشطة غير مشروعة، مثل الاتجار بالبشر والمخدرات وتجارة الأعضاء، خاصة في بيئة تتسم بانتشار الفساد وضعف الرقابة.

فرص وشروط النجاح

ورغم جسامة هذه التحديات، فإن التعويم يمكن أن يحقق نتائج إيجابية إذا جاء في إطار إصلاح اقتصادي شامل يقوم على أسس واضحة، لعل ابرزها تحقيق الاستقرار السياسي والأمني لتهيئة بيئة جاذبة للاستثمار وتنويع مصادر الدخل الوطني وتقليل الاعتماد المفرط على النفط.

كما تشمل تلك الأسس إطلاق شبكات حماية اجتماعية فعالة لحماية الفئات الأكثر تضرراً من التضخم وإصلاح المنظومة المصرفية وتعزيز الشفافية والرقابة والاستعانة بـ الخبرات والدعم الدولي لتقليل المخاطر وتوفير أدوات فنية فعالة لإدارة المرحلة.

إن تعويم الدينار الليبي في الظروف الحالية يبدو خياراً شديد الخطورة، حيث قد تطغى آثاره السلبية على المجتمع والاقتصاد على أي فوائد محتملة. ولذا، فإن أي توجه نحو هذه الخطوة يجب أن يكون تدريجياً، ومتزامناً مع إصلاحات هيكلية عميقة، تضمن التخفيف من تداعياتها وتحمي المواطن من تدهور قدرته الشرائية.

يمكن قراءة الخبر من المصدر من هنا

عن مصدر الخبر

قناة ليبيا 24

أضف تعليقـك

ثمانية + سبعة عشر =