أكد الخبير المالي والاقتصادي، منذر الشحومي، أن مشروع حساب “الخزانة الموحد” يعد من الخطط القديمة التي طُرحت منذ عقود، مشيرًا إلى أن هناك خبراء أكثر إلمامًا بتفاصيله بحكم اطلاعهم على الخطط السابقة. وأوضح أن هذا النظام يمثل آلية لإدارة حسابات الدولة بشكل كامل، بما يشمل حسابات الوزارات والهيئات والمؤسسات، وهو يختلف عن منظومة “الراتب الفوري” التي تُعنى بتوزيع المرتبات فقط.
وبيّن الشحومي أن المشروعين – حساب الخزانة الموحد ومنظومة الراتب – يحتاجان إلى تكامل تقني ونضج تكنولوجي يسمح بتطبيقهما بسلاسة، مشددًا على أن الهدف النهائي يتمثل في تسريع الإجراءات، وضمان سرعة إقفال حسابات الدولة، وسرعة صرف المرتبات، مع تجنب الازدواجية في الصرف، إلى جانب تحسين آليات الرقابة وتقديم تقارير دقيقة عن أوجه الإنفاق وأبواب الميزانية.
وأشار إلى وجود إشكاليات تقنية وإدارية، أبرزها أن وزارة المالية أحالت بيانات نحو 2.2 مليون موظف إلى المصرف المركزي، في الوقت الذي اكتملت فيه بيانات 1.2 مليون فقط، فيما لم تتم إحالة بيانات نحو مليون موظف آخر، مما يصعّب على المركزي إدخالها في المنظومة.
وأوضح الشحومي أن المراقبات المالية في القطاعات الحكومية تتبع الوزارة نظريًا، لكن الانقسام المؤسسي بين وزارتي المالية في الشرق والغرب وغياب التواصل بينهما، جعل الوزارة عاجزة عن فرض سلطتها الكاملة على استكمال هذه البيانات.
وأوضح أن المصرف المركزي تعامل مع المشروع بمنهجية “الصدمة”، بينما كان من الأفضل تنفيذ الخطة على مراحل تدريجية، تبدأ بتطبيق الراتب الفوري في بعض القطاعات أو الوزارات بشكل متدرج، مع الإعلان المسبق عن إغلاق المنظومات القديمة في كل مرحلة.
وقال: إن المشاريع الاستراتيجية الكبرى، مثل هذا المشروع، يجب أن تخضع لبرنامج تغيير تدريجي program gradual change، خاصة عندما يتعلق الأمر بـ 2.2 مليون موظف، فأي خلل أو خطأ تقني قد يؤدي إلى نتائج سلبية ويعرّض جهودًا كبيرة للانتكاس”.
وأكد أن المنظومة الجديدة تمثل أداة فعالة لمكافحة الفساد والازدواجية في المرتبات، لكنها تواجه تحديات بسبب ضعف التنسيق المؤسسي والانقسام السياسي، كما أشار إلى أن بند المرتبات يمثل واحدًا فقط من 12 بندًا في الميزانية العامة، ما يعني أن المشروع أوسع بكثير من مجرد تنظيم صرف الرواتب.
ودعا الشحومي الجهات المعنية إلى ضرورة ضع حدود قصوى للالتزام باستخدام المحافظ الإلكترونية في صرف المرتبات، مع الضغط على الجهات الحكومية لتزويد وزارة المالية بكافة البيانات المطلوبة، حتى تنجح المنظومة في تحقيق أهدافها الاستراتيجية.
وبينّ الخبير المالي والاقتصادي أن منظومة “راتبك لحظي” ستسهم فقط في معالجة ازدواجية الوظيفة، لكنها لن تحل بقية الإشكاليات الهيكلية المرتبطة بالمرتبات. وأضاف أن المنظومة تشترط اكتمال البيانات الأساسية كإدخال الرقم الوطني حتى يتم صرف المرتب، الأمر الذي يعني أن أي نقص في المعلومات سيؤدي إلى تعليق الصرف.
كما شدد على أن حل الإشكاليات المرتبطة بالمرتبات لا يمكن أن يقتصر على المنظومة الجديدة فقط، بل يستلزم تفعيل “حساب الخزانة الموحد” الذي يربط جميع الحسابات الفرعية للوزارات والهيئات والأجهزة الحكومية بمصرف ليبيا المركزي. واعتبر أن هذه الخطوة ستتيح رصد أي صرف أو إيراد في الوقت الفعلي، وتمنع التلاعب بالأرقام أو فتح حسابات عامة خارج الرقابة المباشرة للخزانة.
وختم الشحومي بالتأكيد على أن دمج منظومة “راتبك لحظي” مع حساب الخزانة الموحد قد يسهم في تسهيل عملية صرف المرتبات وتحسين دقة التقارير المالية، غير أن كل منظومة منهما على حدة لا تكفي لمعالجة كافة جوانب الأزمة المالية والإدارية في الدولة.
وتابع بالقول: معالجة الأزمة الاقتصادية في ليبيا تتطلب تغييرًا جذريًا في هيكلية الاقتصاد، مشيرًا إلى وجود قصور واضح في الثقافة المالية لدى الأفراد.