أكد وكيل وزارة الاقتصاد السابق، رجب خليل، أن إطلاق منظومة “راتبك لحظي” يمثل خطوة مهمة نحو “الرقمنة” وتسهيل تقديم الخدمة للمواطنين، رغم التحديات التي صاحبت المرحلة الأولى من تنفيذها.
وأعتبر خليل، في حديثه لقناة “ليبيا الأحرار”، أن المنظومة تُعد حديثة، ومن الطبيعي أن ترافقها بعض الإشكاليات، خاصة فيما يتعلق بتصفية البيانات ومطابقتها.
وأشار إلى أن هناك بعض الجهات امتنعت عن تقديم البيانات، إما لأسباب فنية أو تنظيمية، مرجحًا أن هذه الجهات ستضطر عاجلاً أم آجلاً إلى الامتثال، لأن كل الوحدات الإدارية تقع تحت إشراف وزارة المالية، التي تمتلك صلاحية إصدار الأوامر للمراقبين الماليين داخل هذه المؤسسات.
وأضاف أن أي تأخير أو امتناع عن تقديم البيانات سيُحدث ضغطًا على الموظفين داخل المؤسسات نفسها، مما يدفعها للتسريع في إدخال البيانات في المنظومة الجديدة.
وحول الأرقام المتداولة بشأن الموظفين في القطاع العام، أوضح خليل أن إجمالي عدد الموظفين يبلغ 2.2 مليون، في حين أحالت وزارة المالية بيانات نحو 1.2 مليون موظف فقط إلى مصرف ليبيا المركزي. ومن بين هؤلاء، لم يتم مطابقة سوى بيانات 900 ألف موظف عبر المنظومة الجديدة، وهو ما يفسّر العدد الذي صُرفت له المرتبات عبر خدمة “راتبك لحظي” في أغسطس الماضي.
وبينّ خليل أن هذا التفاوت الرقمي لا يشير إلى خلل جوهري، بل يعكس حجم الأخطاء في البيانات التي تصل إلى المنظومة، لا سيما وأنها التجربة الأولى من نوعها في ليبيا لتوزيع المرتبات بشكل رقمي.
وتوقع أن تكون الأخطاء ناجمة عن مشاكل في الأرقام الوطنية، أو الحسابات البنكية، أو حتى الأرقام الإدارية للموظفين.
وأشار إلى أن الفروقات بين ما أعلنته وزارة المالية، وما نُفذ فعليًا عبر المصرف المركزي، رغم اتساعها الظاهري، يمكن تداركها خلال فترة قصيرة، مؤكداً أن الوزارة لم تعلن بعد عن اكتمال عملية المطابقة، وأن العمل لا يزال جارياً.
وأكد أن هذه المرحلة الانتقالية ستشهد مقاومة طبيعية من بعض الأطراف، لكنها حالة صحية في مسار أي تغيير، خاصة إذا كان بحجم هيكلة ملف المرتبات في الدولة، وهو الملف الذي وصفه بـ “المرهق” نظراً لتشابك عوامل سوء الإدارة، والفساد، ونقص الإمكانيات، خصوصاً في بعض الوحدات الإدارية ذات الكثافة الوظيفية العالية.
وأوضح خليل، أن المراقبين الماليين في المؤسسات العامة يتحملون المسؤولية الكاملة أمام وزارة المالية فيما يتعلق ببيانات الموظفين.
ودعا إلى عدم التسرع في الحكم على المشروع، باعتبار أن المرحلة الحالية لا تزال انتقالية وتتطلب وقتًا لتجاوز العقبات الفنية واللوجستية.
ولفت خليل إلى وجود فساد مالي واضح يتمثل في استغلال بعض الجهات للفروقات المالية الناتجة عن تأخر التسويات، حيث تُستخدم تلك المبالغ في تغطية التزامات أخرى خارج إطارها القانوني.
وبين أن هذا النوع من المخالفات موثق في تقارير ديوان المحاسبة والرقابة الإدارية، ولا يخلو أي تقرير من ملاحظات وتحذيرات بشأن إساءة استخدام بنود المرتبات.
وأوضح أن النظام المالي الحالي يعتمد على أرقام مالية مخصصة لكل موظف، وأن وزارة المالية حددت إجراءات صارمة لصرف المرتبات وفق جداول زمنية محددة. ومع ذلك، فإن الفروقات الناتجة عن الترقيات أو الإجازات أو التنقلات قد تصل في بعض الوحدات إلى ملايين الدنانير، وهو ما يدفع بعض الإدارات لاستخدامها في تسويات لا تمت للموظف بصلة مباشرة.
وطالب بتشديد الرقابة من قبل وزارة المالية، وديوان المحاسبة، وهيئة الرقابة الإدارية، محذرًا من العدد المتزايد للموظفين دون خدمة فعلية وهو ما يشكل عبئًا كبيرًا على الميزانية العامة – حسب قوله.
وعبّر خليل عن تفاؤله بنجاح المشروع، مؤكدًا أن النتائج الإيجابية ستبدأ بالظهور خلال الأشهر القليلة المقبلة، مؤكداً أن المشروع يمر حاليًا بمرحلة أولى من التطبيق.
كما أشار إلى وجود بعض المشكلات التقنية، مثل عدم ترابط المنظومات الإلكترونية بين المؤسسات، ما يؤدي أحيانًا إلى تأخير في نقل البيانات أو ضياعها، إلا أنه أكد أن هذه العقبات في طريقها إلى الحل.
وتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة تحسنًا ملحوظًا في أداء المنظومة المالية للدولة.
وأوضح خليل أن الآلية القديمة المعتمدة في صرف المرتبات كانت تمر عبر تحويل المخصصات المالية من مصرف ليبيا المركزي إلى حسابات المؤسسات والجهات الإدارية العامة، والتي بدورها كانت تقوم بتوزيعها على موظفيها. غير أن النظام الجديد اختصر هذه السلسلة، حيث باتت وزارة المالية ترسل كشوفات المرتبات مباشرة إلى المركزي، ليقوم الأخير بتحويل صافي المرتب إلى حساب الموظف مباشرة.
وأضاف أن الحديث عن إجمالي ميزانية المرتبات، والذي يتراوح بين 5.5 إلى 6 مليارات دينار شهريًا، يشمل صافي المرتبات إلى جانب المبالغ المخصصة للضمان الاجتماعي والضرائب، ما يستوجب التفريق بين المبلغ النهائي الذي يتقاضاه الموظف والمبلغ الكلي المعتمد ضمن الميزانية العامة.
وبينّ أن تقارير ديوان المحاسبة والرقابة الإدارية وثّقت العديد من المخالفات، تتعلق باستخدام تلك المبالغ في شراء مستلزمات أو صرفها بفواتير مبالغ فيها دون سند قانوني.
كما اعترف بوجود حالتين رئيسيتين: الأولى تتعلق باستخدام الأموال لصالح المؤسسة بشكل فعلي، والثانية تمثل حالات فساد واضحة يتم فيها التلاعب بالمخصصات وتحويلها لأغراض شخصية أو غير قانونية.