وسط مخاوف محلية ودولية من انزلاق العاصمة الليبية طرابلس نحو حرب أهلية طويلة، مع استمرار توافد الحشود العسكرية الموالية لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، التي يقابلها تضاعف تمركزات “قوة الردع” الخاصة في منطقة سوق الجمعة وتاجوراء، في ظل صراع بين الطرفين على قاعدة معتيقة، يتحرك الاتحاد الأوروبي بكامل ثقله الدبلوماسي هذه المرة للمطالبة بإنهاء وجود التحشيدات العسكرية. موقف دولي قابله تحرك محلي لأبناء العاصمة الليبية، إذ دعا حراك “انتفاضة شباب مدن غرب طرابلس” مساء الإثنين إلى تظاهرة شعبية، كان من المقرر أن يشهدها “ميدان الجزائر” بطرابلس مساء أول من أمس الثلاثاء، “رفضاً للحرب وسرقة المال العام”، ودعماً لتشكيل حكومة موحدة تمثل كل الليبيين، وتأكيداً على دعم خريطة الطريق التي وضعتها بعثة الأمم المتحدة، غير أن التظاهرة لم تنطلق لأسباب بقيت مجهولة.
رفض الحرب
وأكدت بعثة الاتحاد الأوروبي، خلال اجتماع دار الإثنين الماضي بين سفراء الدول الأوروبية في ليبيا ورئيسة بعثة الأمم المتحدة هانا تيتيه، أهمية إنهاء التحشيدات المسلحة وتجنب التصعيد في طرابلس، وجددت البعثة الأوروبية دعمها لخريطة الطريق التي قدمتها تيته أمام مجلس الأمن الدولي في الـ21 من أغسطس (آب) الماضي.
وجددت تيتيه دعوتها الليبيين إلى الانخراط في ما سمته بـ”الحوار المهيكل”، معتبرة أنه فرصة لليبيين للمشاركة في العملية السياسية، فيما قال سفير الاتحاد الأوروبي نيكولا أورلاندو إن المسؤولة الأممية أطلعت السفراء في الاجتماع التنسيقي الشهري على جهودها للمضي قدماً في خريطة الطريق السياسية التي وضعتها، وقيادة البلاد نحو انتخابات وطنية من أجل توحيد المؤسسات وإعادة الشرعية لها.
وقال سفير الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا “شاركنا تيتيه في دعوة جميع الأطراف الفاعلة في طرابلس إلى رفض استخدام القوة، وإنهاء الحشد العسكري بصورة عاجلة، وحل الخلافات سلمياً بدعم من البعثة الأممية”، مؤكداً تلقي تيتيه “رسالة دعم قوية من السفراء، الذين سيتابعون التطورات وردود الفعل الليبية من كثب”.
يذكر أن تيتيه أكدت أن خريطة الطريق ستنفذ وفق عملية تدريجية متسلسلة داخل وعاء زمني يتراوح ما بين 12 و18 شهراً، مشيرة إلى أن تنفيذ الخطة يحتاج إلى إعادة تشكيل مجلس إدارة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، لسد الفراغات فيه، ومعالجة القضايا التي أسهمت في عدم إجراء الانتخابات في 2021.
في إطار جهود بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا المتواصلة لحشد الدعم لخارطة الطريق السياسية، التقى فريق من البعثة اليوم الثلاثاء بعدد من أعضاء مجلس النواب من غرب وجنوب ليبيا. وركز النقاش على عناصر خارطة الطريق التي أعلنت عنها الممثلة الخاصة للأمين العام، السيدة هانا تيتيه، الشهر… pic.twitter.com/NW1aJbvIlp
— UNSMIL (@UNSMILibya) September 9, 2025
مظلة دبلوماسية
عميد كلية العلوم السياسية بجامعة نالوت إلياس الباروني، قال إن “الدعم الدولي لهذه الخريطة جاء من رحم التلاقي بين الضغوط الشعبية والضغوط الدولية”، لافتاً إلى أن الاتحاد الأوروبي يريد تقليص التوتر الأمني الحاصل في طرابلس ودفع الأطراف الليبية نحو الحراك الشعبي الذي يوفر شرعية اجتماعية للمسار السياسي، حتى وإن كان بصورة متباينة على مستوى التوجهات.
وأكد الباروني أن “تموقع ليبيا في مقابل الجناح الجنوبي لحلف الناتو يمنحها أهمية مضاعفة لدى أوروبا، لأن الاستقرار الليبي له أولوية مضاعفة على مستوى الأمن الطاقي والهجرة غير النظامية ومكافحة الإرهاب، فجميعها عوائق أرقت المجتمع الدولي، لذا لا يمكن اعتبار الدعم الأوروبي لـتيتيه مجرد موقف دبلوماسي، بل هو تحرك يعكس مصلحة استراتيجية أوروبية لضمان استقرار طرابلس ومنع تحولها إلى بؤرة صراعات جديدة”. وتابع أن “هذا الدعم الأوروبي يمكن أن يشكل رافعة سياسية لتيتيه عبر توفير ضمانات دولية للأطراف المترردة، لكنه يظل غير كاف إذا لم يقترن بتفاهمات محلية، خصوصاً مع استمرار الانقسام الحاصل الآن بين معسكري الغرب والشرق، وصعوبة فرض حلول من الخارج من دون توافق داخلي”.
وأشار الباروني إلى أنه “في ظل تواصل التحشيدات العسكرية والدعوات إلى إسقاط الحكومة فإن الدعم الأوروبي يوفر مظلة سياسية ودبلوماسية لخريطة تيتيه، لكنه يحتاج إلى تنسيق مع الفاعلين المحليين والاقليميين، مثل تركيا ومصر والولايات المتحدة، وذلك لضمان تنفيذ أي اتفاقات وبالتالي فإن الدعم الأوروبي مهم، لكنه ليس حاسماً لأنه يبقى عنصراً مكملاً”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عوامل الضغط
واعتبر الباروني “الدعم الأوروبي عامل ضغط وضمانة دولية مهمة، إلا أن تنفيذه على الأرض مرهون بمدى قدرة تيتيه على تأمين توافق داخلي بين الفرقاء الليبيين وتحييد التدخلات الإقليمية”، مضيفاً أن “الدعم الأوروبي لا يجب أن يقتصر على البيانات الدبلوماسية فقط، بل عليه أن يمتد إلى أدوات ضغط سياسية واقتصادية وأمنية بحكم أن ليبيا تمثل الجناح الجنوبي لحلف الناتو، وكذلك بوابة المتوسط نحو أوروبا وبالتالي، فإن أي موقف أوروبي لا يمكن أن يكون مجرد ضامن، بل يعكس مصلحة استراتيجية مباشرة لأمنها القومي”.
وقال الباروني إن “الضغط الأوروبي يمكن أن يتخذ أشكالاً عدة، يأتي في مقدمها الضغط السياسي، بمعنى أن دعم خريطة طريق معينة مثل خريطة تيتيه يمنحها غطاء سياسياً ودولياً قوياً، مما يجعل الأطراف المعرقلة في موقف ضعيف، إضافة إلى الضغط الاقتصادي، فأوروبا هي الشريك الاقتصادي الأول لليبيا خصوصاً في ملف النفط والغاز، وفي هذا الإطار يمكن للاتحاد الأوروبي توظيف العقوبات أو التجميد المالي ضد الأطراف المعرقلة، إضافة إلى تقييد التعاملات المصرفية والمالية مما يشكل ورقة ضغط مباشرة”.
أما في ما يتعلق بالضغط الأمني، فقال الباروني إن “أوروبا معنية بوقف الفوضى الأمنية في طرابلس، نظراً إلى تداعياتها على ملف الهجرة غير النظامية ومسألة الإرهاب، لذلك نراها تضغط لإنهاء التحشيدات المسلحة، لأنها تؤثر في استقرار المتوسط بأكمله”. ودعا إلى توظيف عوامل الضغط في أقرب فرصة ممكنة، لأن توقيت التحرك الأوروبي يتزامن مع تصاعد التحشيدات العسكرية والدعوات إلى إسقاط حكومة الدبيبة، مضيفاً أن “دعم أوروبا لخريطة تيتيه يقدم إشارة للأطراف المحلية بأن المجتمع الدولي يراقب ولن يسمح بانهيار المسار السياسي، مما يعني أن أية محاولة للتصعيد ستقابلها تبعات دولية قد تضعفها سياسياً ومالياً، خصوصاً أن النتيجة السياسة للدعم الأوروبي لخريطة تيتيه لا تمثل مجرد تأييد يشكل أداة ضغط تفرض على الفاعلين الليبين التكيف مع المسار المقترح، لأن تجاهله يعني الاصطدام بمصالح أوروبا المباشرة، وهو ما لا تملكه أية قوة محلية في ليبيا اليوم”.
تبني المخرجات
من جهته قال المحلل السياسي سعد الدينالي إن “الدعم الدولي بصورة عامة مهم جداً وخصوصاً الدعم الأوروبي، بحكم قرب ليبيا جغرافياً من أوروبا، ولكن الأهم أن يكون هذا الدعم سياسياً حقيقياً يعكس نتائج ملموسة في تبني مخرجات خريطة طريق تيتيه، والإشراف على سيرها وإلزام جميع الأطراف الليبية المتصارعة بتطبيق هذه الخريطة والقبول بنتائجها”. وذكر بأن “ليبيا سبق ووصلت إلى تكوين حكومة (حكومة الدبيبة)، غير أن العملية السياسية عرفت انتكاسة عميقة في ما بعد وعادت المشكلات ونزع الاعتراف المحلي بالحكومة (مجلس النواب سحب الثقة من حكومة الدبيبة)، وعادت ليبيا لنقطة التجاذبات الأمنية والسياسية، بالتالي فإن الدعم الأوروبي يبقي مهماً، لكنه لا يجب أن يكون دعماً شفوياً فقط، بل عليه أن يتسم بالوضوح البروتوكولي”.
ويدعم الدينالي ما ذهب إليه الباروني في ما يخص أهمية ذهاب الاتحاد الأوروبي إلى تطبيق ضغوطات سياسية واقتصادية وأمنية على المعرقلين، مؤكداً أن “التعويل الحقيقي على دعم الاتحاد الأوروبي لخريطة تيتيه يتضح عندما يكون على صورة دعم سياسي ينعكس من خلال قرارات مجلس الأمن وإنزال العقوبات بالمعرقلين وتبني المخرجات التي ستنتج من هذه الخريطة”. أضاف أن “الدعم الأوروبي يجب أن يتسم بالحزم والجدية في التعامل مع الأطراف المعرقلة سابقاً، التي أضاعت على ليبيا فرصة الانتخابات في عام 2021، بسبب الصراعات السياسية، لكن ليبيا لم تر أية عقوبات تفرض على المعرقلين في حينه”.
واستردك الدينالي قائلاً إن “ليبيا بحاجة إلى الإسناد الدولي، لكن على الاتحاد الأوروبي أن يتجنب مستنقع الصراعات بين الدول الأوروبية والدول المتداخلة في المصالح الليبية، لتقليل تأثير هذه الصراعات في المسار السياسي الليبي، لأنه في حال فشلت خريطة طريق تيتيه فإن هذا الأمر لن يخدم مصلحة هذه الدول، فإيصال ليبيا إلى بر الأمان يصب في صالح استقرار المتوسط بأكمله”.
يمكن قراءة الخبر من المصدر من هنا