شهدت العاصمة طرابلس جولة جديدة من التوترات انتهت بالإعلان عن اتفاق برعاية الحكومة التركية، شارك فيه حراك أبناء سوق الجمعة وقوة الردع وعدد من الأطراف في المنطقة الغربية.
ورغم تأكيد الحراك أن الاتفاق ملزم لجميع الأطراف دون استثناء وأنه جاء لحماية طرابلس من العبث والفوضى، إلا أن المواقف والتحليلات تكشف عن تباين واضح حول طبيعته وآفاقه المستقبلية.
البيوضي: الدبيبة خسر الجولة بمجرد فشل مشروعه لاحتلال العاصمة وقبوله التفاوض مع الردع
المرشح الرئاسي السابق سليمان البيوضي يرى أن ما جرى ليس اتفاقاً حقيقياً، بل هو مخرج مؤقت لحفظ ماء الوجه ونهاية جولة أولى من معركة قد تعود في أي لحظة. ويعتبر أن الدبيبة خسر الجولة بمجرد فشل مشروعه للسيطرة على المدينة واضطراره للتفاوض مع قوة الردع، مشيراً إلى أن السبب المباشر لانتصار الردع هو حاضنتها الشعبية في سوق الجمعة والتفاف أهالي طرابلس حولها، إلى جانب دعم تحالفات في الغرب وقرار القيادة بالتدخل لصالحها.
ويرى البيوضي أن الدبيبة فقد حاضنته الرئيسية في مصراتة، وهو ما سيؤدي إلى تفكك تحالفه الهش، ولن يتمكن من الاستمرار ما لم يُعالج أزمته هناك بشكل عاجل، بعيداً عن المنظومة التي أغرقته في الصراعات. ويؤكد أن التدخل الدولي والإقليمي لا يستهدف دعم الدبيبة بقدر ما يهدف إلى الحفاظ على وضع آمن يخدم مصالح الجميع، محذراً من أن أي تصعيد سيقلب قواعد اللعبة.
أما الدبلوماسي السابق حسن الصغير فيركز على أن الاتفاق يقوم على فكرة “قوة محايدة” تفصل بين أجهزة ومؤسسات منقسمة، لكنه يعتبر ذلك معالجة مؤقتة لا تغير حقيقة عجز الدبيبة عن الحشد لحربه. ويشير إلى أن الدبيبة يسعى لهدنة قصيرة تتيح له المناورة والبقاء أطول فترة ممكنة، بينما يرى كارة أن رحيل الدبيبة بات قريباً، ولذلك قبل بهدنة مؤقتة.
ويشدد الصغير على أن رمانة ميزان طرابلس تبقى بيد تركيا وحدها، فهي الطرف الوحيد القادر على ضبط التوازن الداخلي والإقليمي والدولي، محذراً في الوقت نفسه من أن هذه الرمانة انفجرت في وجه حلفاء أنقرة أكثر من خصومها. ويقترح أن تضم أي لجنة حوار تعتزم البعثة الأممية تنظيمها ممثلاً دائماً عن طرابلس وقواه .
حراك أبناء سوق الجمعة: الاتفاق يشمل جميع القوات والجهات دون استثناء
في المقابل، أكد بيان حراك أبناء سوق الجمعة أن الاتفاق يشمل جميع القوات والجهات دون استثناء، وأن أي محاولة للتفرد أو التهرب من الالتزامات لن تكون مقبولة. ونفى البيان ما يُتداول في بعض المنابر الإعلامية من تفاصيل مزيفة حول بنود الاتفاق، متعهداً بنشر النصوص الحقيقية عند اعتمادها رسمياً، ومؤكداً أن البنود جاءت على قاعدة “المعاملة بالمثل”. كما شدد على حسن النية في التنفيذ مع إبقاء باب المساءلة مفتوحاً بحق كل من يخل بالتزاماته.
في ضوء هذه المواقف، يتضح أن الاتفاق المعلن يعكس حالة توازن ضعف أكثر من كونه حلاً نهائياً، إذ يسعى كل طرف لشراء الوقت بانتظار تغير الظروف. فالدبيبة يواجه مأزقاً حقيقياً بسبب خسارته مصراتة كحاضنة رئيسية، بينما عززت قوة الردع موقعها بفضل الدعم الشعبي المحلي والتحالفات الغربية.
وعليه، فإن المشهد في طرابلس لم يدخل مرحلة استقرار بعد، وما سيحدد المسار القادم هو قدرة الدبيبة على إعادة تموضعه في مصراتة، ومدى التزام الأطراف ببنود الاتفاق، إضافة إلى حدود الدور التركي بين الرعاية والتدخل المباشر.
يمكن قراءة الخبر من المصدر من هنا