ليبيا الان

غلق مستودع نفطي بالزاوية يثير أزمة وقود ويغذي احتقاناً

مصدر الخبر / قناة ليبيا 24

الزاوية- ليبيا 24

تتجاوز أزمة الوقود الحادة التي تشل الحياة في غرب ليبيا مجرد طوابير الانتظار أمام محطات البنزين وانقطاع الإمدادات، لتصير مرآة عاكسة لأزمات دولة منهكة تعاني من هشاشة مؤسسية عميقة وانهيار للعقد الاجتماعي، حيث يتحول النفط من شريان حياة إلى ورقة ضغط ووسيلة ابتزاز في صراعات القوى المتعددة، وفقاً لتحليلات خبراء وتصريحات مواطنين عايشوا معاناة لم تنتهِ رغم مرور أكثر من عقد على الحرب.

طوابير الذل.. مشهد يومي يعكس غياب الدولة

لم تعد مشاهد الطوابير الطويلة للسيارات أمام محطات الوقود في مدن الزاوية وطرابلس وصرمان وغيرها مفاجئة للسكان. لقد تحولت إلى جزء من الروتين اليومي المرير، روتين يلتهم الوقت والجهد والأعصاب ويذكي مشاعر الإحباط والغضب.

يقول أحمد الفيتوري، موظف في القطاع الخاص من مدينة الزاوية، في تصريح لـ”ليبيا 24″: “الوقت الذي أقضيه أنا وعائلتي في البحث عن وقود هو وقت مسلوب من حياتنا، من عملي، من راحة أطفالي. أصبحت محطات البنزين ساحات للذل والصراع، يتسابق فيها الناس لاقتناص آخر لتر، وكأننا في غابة وليس في دولة تمتلك ثروة نفطية هائلة”.

ويضيف الفيتوري، متحسراً: “نحن نعيش مفارقة قاسية؛ نرى النفط يُضخ إلى الخارج بينما نحن نجوع له هنا. أين عائدات هذا النفط؟ لماذا لا نستفيد منها؟ الأسئلة كثيرة والإجابات غير موجودة. الوضع لم يعد يحتمل”.

غلق مستودع الزاوية.. شرارة أزمة متجددة

كان غلق محتجين لمستودع الزاوية النفطي، أحد أكبر منشآت التخزين والتوزيع في المنطقة الغربية، الشرارة التي أعادت إشعال الأزمة إلى الواجهة. وأدى هذا الغلق إلى شلل تام في عمليات توزيع الوقود، ما تسبب في موجة جفاف طالت معظم المحطات وأوقعت المواطنين في فخ معاناة جديدة.

وأصدرت شركة البريقة لتسويق النفط بياناً دعت فيه السلطات للتدخل العاجل “لحل الخلاف مع إشركات توزيع”، في إشارة إلى أن الأزمة لها أبعاد تجارية واحتجاجية مختلطة. لكن هذه الحلقة ليست سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الإغلاقات المتكررة للحقول والموانئ والمستودعات التي أنهكت الاقتصاد الليبي وشلت حركة الحياة.

تحت السطح.. جذور أزمة هيكلية وعقد سياسي

يرى المراقبون أن أزمة الوقود الراهنة هي مجرد عرض لمرض أعمق يتمثل في هشاشة البنية المؤسسية للدولة وانهيار سلطتها لصالح قوى أخرى.

وفي هذا الصدد، يقول الدكتور إلياس الباروني، عميد كلية العلوم الاقتصادية والسياسية بجامعة نالوت، في تحليله للأمر: “هذه الأزمة تكشف أبعادا أعمق من مجرد نقص في البنزين. ما جرى في مستودع الزاوية يوضح مدى ضعف قدرة الدولة على حماية المرافق الحيوية وضمان استمرارية الخدمات الأساسية”.

ويضيف الباروني في تصريح صحفي رصدته “ليبيا 24”: “النفط تحوّل إلى أداة ضغط سياسية واجتماعية. تستخدمه بعض الجماعات كسلاح للضغط وورقة للمساومة، سواء كانت أطراف قبلية أو مسلحة أو حتى سياسية، من أجل تحقيق مكاسب أو الضغط على الحكومة المركزية. لقد أصبح سلوك ابتزاز الدولة ممارسة متكررة ومؤسسة”.

توزيع الثروة.. وقود الاحتقان الاجتماعي

يؤكد الخبراء أن مشاعر التهميش وعدم العدالة في توزيع ثروة البلاد تشكل الوقود الحقيقي الذي يغذي هذه الأزمات المتكررة.

يوضح الباروني: “هناك شعور عميق بالتهميش وانعدام العدالة في توزيع الثروة، مما يجعل أي خلاف بسيط قابلاً للتصعيد بشكل سريع والتأثير المباشر على توزيع النفط والخدمات. المواطن الذي يشعر بأنه محروم من ثروة بلاده لن يتردد في الانضمام إلى أي احتجاج يعطل الخدمات، لأنه ببساطة لا يملك ما يخسره”.

هذا الاحتقان يجد صداه في كلمات المواطنين. تقول فاطمة عبد السلام، معلمة من طرابلس: “نسمع عن مليارات النفط، لكننا لا نرى منها شيئاً في مدارسنا أو مستشفياتنا أو طرقنا. عندما يُغلق مستودع، يغضب الناس ولكن جزءاً من هذا الغضب موجّه أساساً تجاه دولة غائبة فشلت في توفير أبسط مقومات الحياة الكريمة لشعبها”.

انعكاسات اقتصادية كارثية.. من السوق السوداء إلى شبح التضخم

لا تقتصر تبعات أزمة الوقود على الإزعاج اليومي للمواطنين، بل تمتد إلى هز أركان الاقتصاد الهش أساساً.

يتحول النقص في الوقود إلى وقود للفساد والأنشطة غير القانونية. تزدهر السوق السوداء حيث يُباع الوقود بأضعاف سعره الرسمي، مما يثقل كاهن المواطن البسيط ويغذي اقتصاداً طفيلياً.

وحول هذا الجانب، يحذر الباروني من أن “هذه التطورات تقود إلى نقص حاد في الوقود، ما يرفع الأسعار ويزيد من نشاط السوق السوداء. والأخطر من ذلك هو تأثير ذلك على الأنشطة الإنتاجية وقطاع النقل، ما يؤدي حتماً إلى ارتفاع مستوى التضخم والضغط على المستوى المعيشي للمواطنين، في ضربة مزدوجة للاقتصاد والأسرة”.

ويضيف الباحث في العلاقات الدولية بشير الجويني بُعداً آخر للأزمة، وهو مشكلة التهريب الهيكلية، قائلاً: “سعر النفط في ليبيا ثاني أرخص سعر في العالم، ما يجعل الوقود معرّضاً للتهريب إلى كل الوجهات المجاورة حيث يُباع بأسعار أعلى، مما يستنزف ثروة البلاد ويُعمق أزمتها الداخلية”.

سيف التقسيم.. مخاوف من تحول الأزمة إلى صراع مسلح

أخطر ما في الأزمة الحالية هو البعد الجغرافي والاجتماعي الذي قد يفتح الباب أمام صراعات أوسع.

يختتم الدكتور الباروني تحذيره بنبوءة قاتمة: “إذا لم تُحل الأزمة بسرعة، فقد تخلق بؤر توتر بين بعض المدن مثل الزاوية والمدن المجاورة لها. الاحتقان القائم قد يتحول بسهولة إلى اشتباكات مسلحة في ظل بيئة مشبعة بالأسلحة وغياب سلطة الدولة الفاعلة”.

هذا الخوف من انفجار الوضع يعيشه المواطنون يومياً. يقول محمد الزوي، تاجر من صرمان: “الوضع متوتر للغاية. الجميع غاضب ومستعد للانفجار. الخوف من أن تتحول مشاجرة بسيطة في طابور البنزين إلى مواجهات أكبر هو خوف حقيقي. نحن نعيش على برميل بارود، وأزمة الوقود قد تكون الشرارة”.

صوت المواطن.. معاناة تتكرر ونداءات لا تُسمع

وسط هذا المشهد القاتم، يبقى صوت المواطن الليبي هو الأكثر معاناة والأقل استماعاً. عبر مواطنون لـ”ليبيا 24″ عن إحباطهم ويأسهم من تكرار السيناريو نفسه دون حلول جذرية.

عبّر علياء المنصوري، مهندسة معمارية وأم لطفلين، عن حجم المعاناة قائلة: “خططي اليومية أصبحت رهناً بوجود البنزين. هل أستطيع الذهاب للعمل؟ هل أستطيع اصطحاب ابني إلى الطبيب؟ هل أستطيع حتى الذهاب للسوق؟ هذه أسئلة أساسية لا نجد لها إجابات في بلد نفطي. نحن محاصرون بالفساد والصراعات السياسية التي لا تنتهي”.

من جانبه، يطالب عبدالرحمن السويحلي، سائق أجرة، بوضع حد لهذه المعاناة: “مهنتي مصدر رزقي الوحيد. بدون وقود، لا عمل، ولا دخل. كيف أطعم عائلتي؟ الدولة غائبة، والمحتجزون يغلقون المنشآت، ونحن من ندفع الثمن. نطالب كل الأطراف بالتحرك، نطاقم بحلول عاجلة وجذرية، كفانا معاناة”.

خاتمة

أزمة الوقود في غرب ليبيا ليست طارئة، بل هي نتاج تراكمي لسنوات من الفشل في بناء دولة مؤسسات قادرة على إدارة ثرواتها وحماية مرافقها الحيوية وضمان عدالة توزيعها. بينما تستمر لعبة الضغط والابتزاز بين الأطراف المختلفة، يبقى المواطن هو الحلقة الأضعف والأكثر تضرراً، محاصراً بين طوابير الذل عند محطات الوقود ومخاوف من انفجار اجتماعي قد لا تُحمد عقباه. المعاناة الإنسانية اليومية هي الثمن الذي يدفعه الليبيون مقابل صراعات النفوذ والسلطة، في مشهد يختزل مأساة بلد غني بثرواته، فقير بأبنائه.

يمكن قراءة الخبر من المصدر من هنا

عن مصدر الخبر

قناة ليبيا 24

أضف تعليقـك

ثلاثة + 3 =