ليبيا الان

هيئات قضائية تندد بقرار الدبيبة وتتهمه بتجاوز الصلاحيات.

مصدر الخبر / قناة ليبيا 24

طرابلس – ليبيا 24

ليبيا على صفيح ساخن: قرار تنفيذي لإخضاع السجون يفتح جبهة صدام جديدة مع القضاء

في خطوة اعتبرها مراقبون استباقية ومثيرة للجدل، يشق رئيس الحكومة منتهية الولاية، عبد الحميد الدبيبة، طريقه نحو تعزيز السيطرة الأمنية في طرابلس، عبر إصدار قرار بتنفيذ اتفاق مع “جهاز الردع” يتضمن استلام سجني معيتيقة وعين زارة، قوبلت هذه الخطوة بعاصفة غضب من قبل مؤسسة قضائية رفيعة المستوى، مما يهدد بإشعال مواجهة دستورية حادة تكرس حالة الانقسام المؤسسي وتعيق أي تقدم نحو الاستقرار.

تفاصيل القرار المثير للجدل وإطارها السياسي

أصدر الدبيبة، الأربعاء، توجيهاً يقضي بتشكيل لجنة تنفيذية مهمتها استلام سجني معيتيقة المشهور باحتجازه لمتهمين في قضايا إرهابية وسجناء سياسيين، وعين زارة، وذلك في إطار تنفيذ بنود اتفاق أمني أوسع تم التوقيع عليه مسبقاً بين حكومة الدبيبة منتهية الولاية وجهاز الردع.

ووفقاً للقرار، فإن مهام اللجنة تشمل “حصر النزلاء” وتسليم الإدارة إلى وزارة العدل والشرطة القضائية، وهي جهة تخضع رسمياً لسلطة الحكومة. يأتي هذا التحرك ضمن حزمة إجراءات تهدف ظاهرياً إلى توحيد المرجعيات الأمنية تحت سقف السلطة التنفيذية، وإخراج طرابلس من حالة الانفلات التي تعيشها منذ سنوات تحت سيطرة كيانات مسلحة متعددة.

غير أن هذا الإجراء، الذي يبدو في شكله تقنياً، يحمل في طياته أبعاداً سياسية بالغة التعقيد. فجهاز الردع نفسه هو كيان قوي، وكانت سيطرته على مجمع معيتيقة – الذي يضم المطار المدني والقاعدة العسكرية والسجن – تمثل أحد رموز نفوذه الصلب. أي أن الاتفاق، من وجهة نظر محللين، هو تفاهم على تقاسم نفوذ وليس استسلاماً كاملاً للجهاز.

القضاء يرفع القفاز: اتهامات بالتجاوز الدستوري وخروقات جسيمة

لم تمض ساعات على إعلان القرار، حتى انفجر رد الفعل الغاضب من قبل الجمعية الليبية لأعضاء الهيئات القضائية، وهي هيئة نافذة وتمثل صوتاً مهماً للقضاة. في بيان حاد اللهجة، لم تترك الجمعية مجالاً للشك في رفضها المطلق للقرار، ووصفته بأنه “لم يحترم مبدأ الفصل بين السلطات وأنتهك استقلال القضاء”.

وحدد البيان، الذي حصلت ليبيا 24 على نسخة منه، جملة من أوجه الاعتراض الدستورية والقانونية، أبرزها:

· التشكيل غير القانوني: تكليف لجنة تنفيذية بقرار من السلطة التنفيذية فقط، دون ترشيح من النائب العام (رأس السلطة القضائية) أو موافقة من المجلس الأعلى للقضاء، يعد “خرقاً واضحاً وتجاوزاً غير مقبول للصلاحيات القانونية”. هذا يشير إلى أن القرار يتعدى على الصلاحيات الحصرية للقضاء في إدارة مرافق العدالة.
· انتهاك استقلالية القضاء: شدد البيان على أن القرار “يتعارض مع المبادئ الدستورية التي أرست بوضوح مبدأ الفصل بين السلطات وضمنت استقلال السلطة القضائية عن أي تدخل من السلطة التنفيذية”. وهذا يمثل اتهاماً جسيماً للحكومة بمحاولة إخضاع القضاء لهيمنتها.
· إقحام القضاة في صراعات تنفيذية: استنكرت الجمعية ما وصفته بـ”إقحام أعضائها في مهام تنفيذية تصدر من خارج سلطتهم الرئاسية”، مطالبة رئاسة الوزراء بعدم “الزج” بهم في مثل هذه المهام، وهو ما يعتبر حماية للقضاة من أن يصبحوا أدوات في صراعات سياسية أو أمنية.

قراءة في المشهد: معركة نفوذ على أرضية دستورية

ما حدث ليس مجرد سجال قانوني أكاديمي، بل هو تجلي لمعركة أعمق على السلطة والشرعية في طرابلس. حكومة الدبيبة، التي تجاوزت ولايتها الدستورية ولم تعد تتمتع بشرعية كاملة في عيون كثيرين، تسعى يائسة لتحقيق أي إنجاز ملموس على الأرض يعزز من موقفها الضعيف، خاصة في مجال الأمن الذي يعتبر المقياس الأساسي لأداء أي حكومة.

محاولة السيطرة على سجون حساسة مثل معيتيقة، التي تختزن أسرار سنوات من الصراع وتحتوي على نزلاء ذوي حساسية سياسية وأمنية عالية، هو محاولة للاستيلاء على ورقة رابحة في لعبة السلطة. من يتحكم في السجون يتحكم في المعلومات وفي مصير شخصيات يمكن استخدامها كورقة ضغط.

غير أن هذه المحاولة تصطدم بجدار منيع هو المؤسسة القضائية، التي تسعى بدورها للحفاظ على ما تبقى من استقلاليتها وهيبتها في دولة مفككة. رفض القضاء أن يكون أداة في يد تنفيذيين منتهي ولايتهم هو دفاع عن وجوده ذاته. وهو بذلك لا يعارض فكرة “استلام” السجون في حد ذاتها، بل يعارض الآلية غير القانونية التي تم بها ذلك، والتي تهدف إلى تحويل القضاء إلى مجرد تابع للسلطة التنفيذية.

تطورات متزامنة: صراع على الشرطة القضائية وأصابع خارجية

لم يكن بيان الهيئات القضائية هو الإشكال الوحيد الذي واجهه الدبيبة. ففي تطور متزامن، اندلع نزاع مكشوف مع رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، حول من له الحق في تعيين رئيس جديد لجهاز الشرطة القضائية، وهو جهاز شبه عسكري حاسم. حيث عين الدبيبة اللواء عبد الفتاح دبوب، بينما عين المنفي شخصاً آخر، في مشهد يلخص حالة الانقسام والازدواجية التي تعيشها مؤسسات “الحكم” في ليبيا.

أضف إلى ذلك، الاتهامات التي أطلقها عضو مجلس الدولة سعد بن شرادة حول وجود دور للاستخبارات التركية وراء الاتفاق مع جهاز الردع، وإنكاره أن يكون الانسحاب شاملاً، مؤكداً أن سيطرة الجهاز على القاعدة الجوية والسجن ما تزال قائمة. هذه الاتهامات، وإن لم يتم إثباتها، تضيف بُعداً إقليمياً معقداً للمعادلة، وتغذي شكوكاً بأن الاتفاق قد يكون مسرحياً أو جزئياً مشيراً إلى إنتاج مكاسب إعلامية للحكومة أكثر من كونه حلاً جذرياً.

خطر التصعيد: ماذا بعد؟

المشهد الحالي ينذر بتصعيد خطير. مطالبة الجمعية القضائية بسحب القرار أو تعديله، ونداؤها للنائب العام بعدم تنفيذ أي قرار من هذا القبيل، يضع النائب العام في موقف صعب. إذا امتثل لرغبة الحكومة، فإنه يخاطر بتمرد داخلي من قبل هيئته القضائية وفقدان مصداقيته. وإذا رفض، فإنه يعلن بشكل غير مباشر عصيانه للسلطة التنفيذية.

الخطر الأكبر هو أن تتحول هذه الأزمة القانونية إلى شقاق مؤسسي كامل، حيث ترفض المحاكم والتعليمات القضائية التعاون مع أي لجنة تشكلها الحكومة، مما قد يؤدي إلى شلل في ملف العدالة الانتقالية والأمن، ويعيد إنتاج أزمة الثقة بين مؤسسات الدولة التي من المفترض أن تعمل بتناغم.

حكومة الدبيبة، التي تتحرك على أرضية هشة، وجدت نفسها في مواجهة مع مؤسسة يصعب كسبها أو إخضاعها. القرار الذي كان من المنتظر أن يكون إنجازاً إعلامياً وأمنياً، تحول إلى فخ دستوري وقانوني يفضح ضعف الشرعية التي تعاني منها ويفتح جبهة صراع جديدة قد تكون الأكثر خطورة حتى الآن، لأنها تضرب في قلب مبدأ فصل السلطات، وهو أساس أي دولة قانون.

يمكن قراءة الخبر من المصدر من هنا

عن مصدر الخبر

قناة ليبيا 24

أضف تعليقـك

خمسة عشر + أربعة =