اعتبر المحلل السياسي، والمختص في شؤون الهجرة، حسام العبدلي، أن قلق الشارع الليبي بشأن المهاجرين يرجع إلى الإحساس بوجود مؤامرة تُدار من خلف الكواليس.
وقال العبدلي في حديث لقناة “الوسط”، رصدته “الساعة 24” إن “ضعف المؤسسات وغياب السيطرة الكاملة على الحدود يعزز هذا الشعور، رغم الجهود الأمنية الكبيرة التي تبذلها القوات العسكرية والأمنية في إحباط محاولات التهريب، سواء للمخدرات أو الأسلحة أو نشاطات الجماعات المسلحة”.
وأضاف أن “مشكلة الهجرة في ليبيا ليست وليدة اللحظة، بل بدأت تتفاقم بشكل تدريجي منذ بداية الألفية الجديدة، لتشهد تصاعدًا ملحوظًا منذ سنة 2011 عقب الانهيار الأمني، وتستمر حتى عام 2025”.
وتابع، أن “هناك تسيبًا واضحًا في ملف الهجرة تحديدًا، وهو ما قد يعكس، بحسب رأيه، ضغوطات دولية أو مصالح خفية، قد تكون مرتبطة بتواطؤ بعض السياسيين أو المسؤولين الليبيين، لترك الهجرة تتدفق نحو المدن الليبية بدلاً من أوروبا”.
وأشار العبدلي إلى أن “ليبيا، التي كانت تُعد دولة عبور في السابق، أصبحت اليوم وجهة نهائية للمهاجرين، حيث بات كثير منهم يفضّل البقاء داخل البلاد بدلًا من مواصلة الرحلة نحو السواحل الأوروبية، وهو ما زاد من القلق الشعبي من احتمالية وجود اجندات خارجية وراء هذا التحول”.
ورأى أن “إعادة المهاجرين من السواحل الأوروبية إلى ليبيا مؤخرًا، أسهمت في تفاقم الأزمة”، مشيرًا إلى أن “تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين أثر بشكل مباشر على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والصحي للمواطنين الليبيين، سواء من خلال تراجع فرص العمل أو تهديد الأمن الصحي في ظل غياب أي رقابة قانونية أو مجتمعية”.
واعتبر المختص في شؤون الهجرة، أن “جزءًا من المشكلة يعود أيضًا إلى تواطؤ داخلي يتمثل في السماح للمهاجرين بالعيش والعمل داخل ليبيا بشكل غير رسمي، دون أطر قانونية تنظم وجودهم أو تحمي مصالح المواطنين”.
وأكد أن “فشل السياسات الأوروبية في كبح الهجرة أو إعادة إدماج المهاجرين ساهم في تفاقم العبء على ليبيا، التي تواجه اليوم ضغوطًا كبيرة في ظل غياب الأدوات الفعالة للتعامل مع هذه الظاهرة”.
وأوضح العبدلي أن “الضغط الشعب في أوروبا، خاصة من التيارات اليمينية، يعارض استقبال المهاجرين، وهو ما يدفع الحكومات الأوروبية إلى التنصل من مسؤولياتها، رغم أن قوانينها تمنح للمهاجرين حقوق اللجوء والعيش داخل أراضيها”.
مبينا أن “هذه التناقضات الأوروبية جعلت من ليبيا مقصدًا بديلاً للمهاجرين، على الرغم من أن البيئة السياسية والأمنية والاجتماعية في البلاد غير مهيأة إطلاقًا لاستيعابهم”.
وأكمل العبدلي أن “المجتمع الليبي يعيش حالة من القلق المتصاعد، خاصة مع تحوّل ليبيا من دولة عبور إلى مستقر دائم للمهاجرين غير النظاميين، وهو ما يعتبره كثير من الليبيين تهديدًا لهويتهم الديمغرافية والاجتماعية”.
وأضاف أن “المنظمات الدولية التي توجه اتهامات لليبيا بشأن معاملة المهاجرين تتجاهل حقيقة الأوضاع الداخلية المعقدة في البلاد، مثل الانقسام السياسي والضعف الأمني”، مؤكدًا أن “بعض الممارسات لا تمثل الشعب الليبي ككل، بل هي نتاج فراغ مؤسساتي”.
واقترح العبدلي أن يكون الرد الليبي بشأن الهجرة واضحًا وهو من يريد هؤلاء المهاجرين فليفتح لهم خطوط الطيران ويستقبلهم في بلاده، وليبيا لا تمانع إرسالهم، مستشهدًا بتصريحات سابقة لوزير الداخلية الليبي عماد الطرابلسي.
وتوقف العبدلي عند الأبعاد المجتمعية الخطيرة لملف الهجرة، مؤكدًا أن “المجتمع الليبي مترابط ويحمل خصوصية ثقافية تجعله أكثر حساسية تجاه الوجود المكثف لأعداد غير معروفة من المهاجرين، كثير منهم يدخلون بدون أوراق ثبوتية أو سجلات جنائية معروفة، ما يعقّد مهمة الأجهزة الأمنية”.
كما حذر من أن بعض هؤلاء المهاجرين منخرطون في شبكات إجرامية منظمة داخل ليبيا، ما يُشكّل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي، لافتًا إلى “وجود أزمة متصاعدة تتعلق بأطفال المهاجرين الذين يُتركون داخل ليبيا، مما قد يفتح الباب لاحقًا لمطالبات بمنح الجنسية وسط غياب قانون واضح قادر على التعامل مع هذه الحالات في ظل الاستقطاب السياسي القائم”.
وفي ختام تصريحاته، شدد العبدلي على أن “استمرار هذا الوضع بدون حلول جذرية، سواء من خلال تأمين الحدود أو موقف سياسي موحّد، قد يُفاقم من التوترات الداخلية، ويُهدد الاستقرار الديمغرافي والأمني للبلاد”.