المجموعة الإفريقية بمجلس الأمن: هل تعيين المبعوث الأممي مفتاح لحل الأزمة الليبية؟
تشهد الساحة الليبية أزمة سياسية مستمرة تتعمق يومًا بعد يوم، في ظل حالة الجمود التي تسيطر على المشهد. تعيش البلاد حالة من الانقسام والصراع الداخلي المستمر منذ سنوات، مع تزايد التعقيد الاقتصادي والسياسي الذي فاقمه غياب التوافق على قيادة أممية جديدة قادرة على دفع الأطراف الليبية نحو مسار السلام. وفي هذا السياق، تقدمت المجموعة الإفريقية في مجلس الأمن الدولي بدعوة صريحة لتسريع تعيين مبعوث أممي جديد إلى ليبيا، بهدف كسر حالة الجمود السياسي وتسهيل المفاوضات المستقبلية بين الأطراف المتنازعة.
يرى المراقبون أن التأخير في تعيين مبعوث أممي جديد لليبيا يُعطل جهود الوساطة الأممية التي تقودها الأمم المتحدة منذ سنوات. ورغم المحاولات المتكررة، لم تتمكن الأمم المتحدة حتى الآن من إيجاد حلول جذرية للأزمة الليبية، مما يثير تساؤلات حول مدى فعالية هذه الجهود في ظل غياب قيادة جديدة تملك القدرة على جمع الأطراف المتنازعة حول طاولة المفاوضات. ومن جانبها، أكدت المجموعة الإفريقية أن تعيين مبعوث جديد يجب أن يكون من أولويات المجتمع الدولي، وذلك لتمهيد الطريق أمام مفاوضات شاملة تهدف إلى إعادة بناء الدولة الليبية.
من المتوقع أن يلعب المبعوث الأممي الجديد دورًا محوريًا في قيادة المفاوضات المباشرة بين الأطراف الليبية المتنازعة. فالأزمة الليبية لم تعد مقتصرة على الخلافات السياسية فقط، بل تشعبت لتشمل جوانب اقتصادية وأمنية تهدد استقرار البلاد بأكملها. وفي هذا السياق، يبرز الدور الذي سيتعين على المبعوث الجديد القيام به من خلال تسهيل الحوار الوطني الشامل وتوجيه الأطراف نحو حلول مستدامة تضمن إعادة الاستقرار إلى ليبيا.
بالإضافة إلى تعيين المبعوث الأممي، رحبت المجموعة الإفريقية بالاتفاق الأخير الذي تم التوصل إليه بين الأطراف الليبية لحل أزمة المصرف المركزي، معتبرةً إياه خطوة إيجابية نحو تعزيز الاستقرار الاقتصادي في البلاد. ويُعد المصرف المركزي الليبي أحد أهم المؤسسات الحيوية في البلاد، حيث يُمثل العمود الفقري للاقتصاد الوطني، وأي خلل في إدارته يؤثر بشكل مباشر على الاستقرار المالي والمعيشي للشعب الليبي. ورغم هذا التقدم المحدود، إلا أن العديد من المراقبين يحذرون من أن الاتفاقات الاقتصادية وحدها ليست كافية لإحلال الاستقرار، حيث تحتاج ليبيا إلى حلول سياسية متكاملة تأخذ بعين الاعتبار كافة الأطراف الفاعلة في المشهد.
في ضوء الاتفاق على المصرف المركزي، شددت المجموعة الإفريقية على ضرورة تكثيف الجهود لتوحيد المؤسسات المالية في البلاد، مشيرةً إلى أن هذا التوحيد سيكون خطوة هامة نحو ضمان توزيع عادل للثروات الوطنية بين مختلف المناطق والفئات الليبية. فليبيا بلد غني بموارده الطبيعية، وخاصةً النفط، ولكن غياب الإدارة السليمة والتقسيم السياسي ساهم في حرمان العديد من الليبيين من الاستفادة من هذه الثروات. ومن هنا، يأتي المطلب الإفريقي بضرورة إنشاء ميزانية موحدة تُدار بشفافية، مع توجيه العائدات النفطية لخدمة جميع أبناء الشعب الليبي.
ومن بين النقاط التي طرحتها المجموعة الإفريقية، جاء التركيز على أهمية تعيين مجلس محافظين جديد للمصرف المركزي الليبي. إذ ترى المجموعة أن هذا المجلس سيكون عاملًا أساسيًا في إعادة بناء الثقة بين المؤسسات الاقتصادية الليبية، وضمان حماية الثروة الوطنية من الاستغلال أو الفساد. فالثروة النفطية الليبية تُعد هدفًا جذابًا للكثيرين، سواء داخل البلاد أو خارجها، ولهذا السبب تشدد المجموعة الإفريقية على ضرورة أن يكون هناك إشراف صارم على كيفية توزيع العائدات النفطية، بحيث يتم ضمان العدالة بين كافة الأقاليم والفئات الاجتماعية.
لا يمكن الحديث عن حل الأزمة الليبية دون الإشارة إلى الدور الهام الذي يلعبه المجتمع الدولي في دعم جهود الأمم المتحدة. فبدون دعم دولي قوي، ستظل جهود الأمم المتحدة محدودة التأثير، خاصةً في ظل تعقيد المشهد الليبي وتشابك المصالح الدولية. وترى المجموعة الإفريقية أن الحل المستدام للأزمة الليبية لن يتحقق إلا من خلال دعم دولي قوي لجهود الأمم المتحدة في التوصل إلى تسوية سلمية.
وفي النهاية، لا يمكن لأية جهود أممية أو دولية أن تنجح ما لم تكن هناك إرادة حقيقية من قبل الأطراف الليبية في التوصل إلى حل. فالمشهد الليبي معقد بطبيعته، ولكنه يتطلب قرارات شجاعة من قبل الفاعلين الرئيسيين في البلاد. وقد شددت المجموعة الإفريقية على أن الأطراف الليبية يجب أن تشارك بإرادة كاملة في هذه العملية لضمان نجاحها، مع تجنب اتخاذ أي خطوات أحادية قد تضر بمسار السلام.
أحد الجوانب الهامة التي طرحتها المجموعة الإفريقية هو ضرورة إعادة بناء الهيكل المالي في ليبيا، وخاصةً من خلال توحيد المصرف المركزي وإنشاء ميزانية وطنية موحدة. فهذه الخطوات تُعتبر أساسية لتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي في البلاد، خاصةً وأن النفط يُمثل العمود الفقري للاقتصاد الليبي. وقد دعت المجموعة إلى أن تكون هذه الموارد الوطنية مُستغلة لصالح جميع أبناء الشعب الليبي، وليس لفئات أو مجموعات بعينها.
مع استمرار الأزمة الليبية، يظل الأمل قائمًا في أن تساهم الجهود الأممية والدولية في التوصل إلى حل سياسي شامل يُعيد الاستقرار إلى البلاد. ولكن، هذا الحل لن يتحقق إلا من خلال تعاون مشترك بين كافة الأطراف، وضمان مشاركة حقيقية في العملية السياسية. كما أن الحلول الاقتصادية، وخاصةً توحيد المؤسسات المالية، ستلعب دورًا كبيرًا في تحقيق هذا الهدف، مما يجعل تعيين مبعوث أممي جديد خطوة أساسية في هذا المسار الطويل والمعقد.