توقيع ميثاق المصالحة الليبية في أديس أبابا: خطوة جديدة نحو الاستقرار السياسي
أعلن وزير خارجية الكونغو برازافيل، جان كلود جاكوسو، عن قرب توقيع ميثاق المصالحة الوطنية الليبية في مقر الاتحاد الإفريقي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وهي خطوة يُنتظر منها أن تكون بداية جديدة نحو استقرار المشهد السياسي الليبي المتعثر منذ سنوات.
في ظل الأزمات التي تعصف بليبيا منذ 2011، برزت الحاجة الماسة إلى تحقيق مصالحة وطنية شاملة تعيد اللحمة إلى النسيج الاجتماعي والسياسي الليبي. وقد كانت الجهود التي بذلها الاتحاد الإفريقي، وفق تصريحات جاكوسو، تصب في اتجاه دعم هذا المسار. ويُعتبر الاتحاد الإفريقي أحد أبرز اللاعبين الإقليميين الذين سعوا إلى تقديم المساعدة للليبيين من أجل الوصول إلى صيغة تضمن استدامة السلام والاستقرار في البلاد.
جاكوسو أوضح في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24” أن ميثاق المصالحة الوطنية وُضع على أيدي الليبيين أنفسهم، ليعكس تطلعاتهم ورغبتهم في إنهاء الصراعات المسلحة والانقسامات التي خلفتها الحروب الأهلية. وأضاف أن الدور الإفريقي كان في المقام الأول دوراً داعماً لتسهيل الحوار بين الأطراف الليبية المختلفة، وضمان الوصول إلى اتفاقات تخدم مصالح جميع الأطراف.
ما يزيد من أهمية هذه الخطوة هو أنها تأتي في سياق التمهيد للانتخابات العامة المقبلة، والتي كانت من المفترض إجراؤها في 2021، إلا أنها تعثرت بسبب استمرار الانقسامات السياسية والاضطرابات الأمنية. ويُؤمل أن يُساهم ميثاق المصالحة في تهيئة الأجواء المناسبة لإجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن، إذ يعتبر تحقيق المصالحة أحد الشروط الأساسية لنجاح أي عملية انتخابية.
تشير التحليلات إلى أن تأجيل الانتخابات لفترة طويلة أدى إلى تأزيم الوضع السياسي أكثر، وزاد من حالة الانقسام بين الفصائل المختلفة. لذلك، فإن توقيع ميثاق المصالحة، بحسب ما يرى جاكوسو، قد يكون الحل الأمثل لكسر الجمود السياسي وفتح الباب أمام انتخابات حرة ونزيهة تُعبر عن إرادة الشعب الليبي.
لطالما كان للاتحاد الإفريقي دور كبير في التعامل مع الأزمات السياسية في القارة الإفريقية، وليبيا ليست استثناءً. منذ 2011 سعى الاتحاد إلى لعب دور الوسيط بين الفصائل المتناحرة، إلا أن جهود الوساطة السابقة كانت تواجه تحديات كبيرة بسبب التدخلات الأجنبية والتعقيدات المحلية.
لكن يبدو أن تغير المعطيات السياسية في السنوات الأخيرة قد منح الاتحاد الإفريقي فرصة جديدة للعب دور أكثر فعالية. وقد صرح جاكوسو أن المهمة التي أنجزها الاتحاد الإفريقي مؤخراً في ليبيا كانت تهدف بالأساس إلى كسب الدعم السياسي لميثاق المصالحة. وأضاف أن هذه الخطوة تمثل نقلة نوعية في مسار التفاوض بين الليبيين، كونها تهدف إلى حلحلة الملفات العالقة وتسهيل الوصول إلى توافقات تخدم مصلحة الشعب الليبي ككل.
بالرغم من الآمال الكبيرة المعلقة على توقيع ميثاق المصالحة الوطنية الليبية، فإن التحديات التي تواجه تنفيذ هذا الميثاق على أرض الواقع لا تزال قائمة. ومن أبرز هذه التحديات هي مدى التزام الأطراف الليبية المختلفة بما يتم الاتفاق عليه في أديس أبابا، بالإضافة إلى الصعوبات الاقتصادية والأمنية التي تعصف بالبلاد.
كما أن هناك تخوفات من تدخلات خارجية قد تعرقل تطبيق بنود الميثاق، خاصة أن العديد من الدول الإقليمية والدولية لها مصالح في ليبيا تسعى للحفاظ عليها من خلال دعم بعض الأطراف الليبية على حساب الأخرى. لذا، فإن نجاح الميثاق يعتمد بشكل كبير على قدرة الليبيين أنفسهم على تجاوز خلافاتهم والعمل معاً لإنجاحه.
يُجمع المراقبون على أن ليبيا بحاجة ماسة إلى حل سياسي شامل يُنهي حالة الفوضى التي تعيشها منذ أكثر من عقد. ويرى جاكوسو أن ميثاق المصالحة الوطنية الليبية يُعتبر خطوة مهمة في هذا الاتجاه، فهو يهدف إلى إعادة بناء الدولة الليبية على أسس من التوافق والشراكة بين جميع مكونات المجتمع الليبي.
ولتحقيق ذلك، شدد جاكوسو على ضرورة أن يتحلى الجميع بالمرونة السياسية، وأن يُظهروا التزاماً حقيقياً بتنفيذ بنود الميثاق. وأكد على أن الاتحاد الإفريقي سيواصل دعمه لليبيا في هذه المرحلة الدقيقة، لضمان تطبيق الاتفاقات وضمان الوصول إلى مرحلة الانتخابات.
مع اقتراب توقيع الميثاق في أديس أبابا، يتطلع الليبيون إلى مرحلة انتقالية تتسم بالاستقرار والتوافق، خاصة بعد السنوات العجاف التي مرت بها البلاد. ومع تصاعد التحديات الأمنية والاقتصادية، يبقى الأمل معلقاً على قدرة الأطراف الليبية على الاستفادة من هذه الفرصة التاريخية لرسم مستقبل أفضل للبلاد.
يبدو أن توقيع الميثاق سيكون نقطة تحول في مسار الأزمة الليبية، إذ سيساهم في إعادة ترتيب المشهد السياسي الليبي، وفتح الباب أمام انتخابات طال انتظارها قد تُغير من موازين القوى في البلاد. ولكن يظل السؤال مطروحاً: هل سينجح الليبيون في اغتنام هذه الفرصة وتحقيق المصالحة المنشودة؟