في خضم الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف إلى الكونغو، عادت الأزمة الليبية إلى واجهة النقاش الإقليمي والدولي مجددًا، حيث أكد عطاف أن الوضع الليبي لا يزال يشكل تحديًا مستمرًا بعد 14 عامًا من الصراع، مشيرًا إلى أن الشعب الليبي لم يزل ينتظر حلولًا تُخرج بلاده من نفق الأزمات السياسية والأمنية التي تعصف بها.
في تصريحاته التي اتسمت بالواقعية والشفافية، شدد عطاف على أن الحل للأزمة الليبية لا يمكن أن يأتي من الخارج، بل هو مسؤولية الليبيين أنفسهم، داعيًا إياهم إلى تحمل مسؤولياتهم والعمل الجاد لتحقيق مصالحة وطنية شاملة. وأكد أن المصالحة الوطنية ليست مجرد خيار، بل هي الركيزة الأساسية لأي تسوية مستدامة تضمن إعادة الاستقرار إلى البلاد.
وأضاف عطاف أن الجزائر لطالما دعمت جهود المصالحة في ليبيا، مشيرًا إلى أن التجارب الإقليمية والدولية أثبتت أن الحلول المستوردة غالبًا ما تكون قصيرة الأجل ولا تراعي خصوصية المجتمعات المحلية. ومن هنا، فإن أي عملية سياسية في ليبيا ينبغي أن تكون نابعة من إرادة وطنية ليبية خالصة.
تطرق عطاف إلى أهمية العملية الانتخابية كوسيلة للخروج من الأزمة، مشيرًا إلى أن الانتخابات تمثل الطريق الأنسب لإعادة بناء المؤسسات السياسية في ليبيا. وأوضح أن الأمم المتحدة تعمل بجد لتحضير هذه العملية بالتنسيق مع الاتحاد الإفريقي. وأكد أن الجزائر تدعم هذه الجهود بشكل كامل، نظرًا لأن الانتخابات تعتبر خطوة حاسمة نحو تحقيق الاستقرار السياسي وإعادة بناء الثقة بين مختلف الأطراف الليبية.
في سياق حديثه، أشار عطاف إلى التنسيق الوثيق بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي لدعم ليبيا في هذه المرحلة الحرجة، مشيدًا بالدور الذي يلعبه الرئيس الكونغولي دينيس ساسو نغيسو، رئيس اللجنة رفيعة المستوى التابعة للاتحاد الإفريقي بشأن ليبيا. وأكد أن هذا التعاون يُظهر التزامًا إقليميًا ودوليًا بإيجاد حل شامل ومستدام للأزمة.
وأضاف أن الاتحاد الإفريقي، بصفته منظمة تعكس تطلعات شعوب القارة، لديه دور أساسي في دعم العملية السياسية في ليبيا، وهو يعمل على ضمان أن تكون الجهود الدولية منسجمة مع الأولويات الليبية.
لم يغفل وزير الخارجية الجزائري الإشارة إلى التدخلات الأجنبية وتأثيرها السلبي على المشهد الليبي، معتبرًا أن هذه التدخلات تعد من أبرز عوامل تعقيد الأزمة. وأوضح أن التدخلات الخارجية غالبًا ما تؤدي إلى تأجيج الصراعات الداخلية وتوسيع الهوة بين الأطراف المتنازعة، مما يجعل من الصعب الوصول إلى توافق وطني.
وأكد عطاف أن الجزائر كانت دائمًا تدعو إلى إنهاء هذه التدخلات، مشيرًا إلى أن موقف بلاده ثابت في دعم وحدة وسيادة ليبيا ورفض أي شكل من أشكال الوصاية أو التدخل الخارجي.
على صعيد آخر، كشف عطاف عن التحضيرات الجارية لعقد القمة الثالثة ضمن الآلية الثلاثية التي تجمع الجزائر وتونس وليبيا. وأوضح أن هذه القمة، المقرر عقدها في العاصمة الليبية طرابلس مطلع عام 2025، تهدف إلى تعزيز التنسيق والتعاون بين الدول الثلاث لمواجهة التحديات المشتركة.
وأشار إلى أن القمة تأتي في وقت حساس يتطلب تعزيز الجهود الإقليمية لدعم الاستقرار في ليبيا، خاصة في ظل تعقيدات المشهد السياسي والأمني. واعتبر أن نجاح هذه القمة سيكون مؤشرًا إيجابيًا على قدرة الدول المغاربية على تجاوز خلافاتها والعمل معًا لتحقيق أهداف مشتركة.
لطالما كانت الجزائر لاعبًا محوريًا في دعم استقرار ليبيا، حيث تتمتع بموقع جغرافي مميز وعلاقات تاريخية متينة مع الشعب الليبي. ومنذ اندلاع الأزمة في عام 2011، حرصت الجزائر على تقديم مبادرات لحل النزاع وتعزيز الحوار بين مختلف الأطراف الليبية.
وأكد عطاف أن الجزائر ستواصل دورها الإيجابي والبناء في دعم ليبيا، مشيرًا إلى أن استقرار ليبيا هو جزء لا يتجزأ من استقرار المنطقة بأكملها. ودعا المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته والمساهمة في تحقيق حل شامل ودائم للأزمة.
في ختام تصريحاته، أبدى عطاف تفاؤله الحذر بشأن مستقبل الأزمة الليبية، مشيرًا إلى أن الطريق نحو الحل لا يزال طويلًا ولكنه ليس مستحيلًا. وأكد أن التعاون الإقليمي والدولي، إلى جانب الجهود الوطنية الليبية، يمكن أن يؤدي إلى تحقيق تقدم ملموس.
وأضاف أن الشعب الليبي يستحق فرصة للعيش في سلام واستقرار، داعيًا إلى مضاعفة الجهود لضمان تحقيق هذا الهدف. واختتم بالقول إن الجزائر ستظل دائمًا إلى جانب الشعب الليبي، داعمة لحقه في تقرير مصيره وبناء مستقبل أفضل.
في ظل هذه التصريحات، يبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن الجهود الإقليمية والدولية من تحقيق اختراق حقيقي في الأزمة الليبية؟ وهل ستنجح القمة الثلاثية المرتقبة في تعزيز التعاون المغاربي لدعم ليبيا؟ الإجابة على هذه الأسئلة ستحدد ملامح المرحلة القادمة في ليبيا والمنطقة
