لطالما كان التعليم أساس نهضة الشعوب وعمودها الفقري نحو التطور والابتكار. إلا أن حال التعليم في ليبيا، تحت حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة ووزير تعليمها العالي عمران القيب، بات مثالاً صارخًا على الفساد الإداري والسياسي الذي يهدد مستقبل الأجيال القادمة.
قرارات بلا معايير وعدالة غائبة
في تصريحات مثيرة للجدل، أعلن وزير التعليم العالي عمران القيب عن وجود 120 ألف قرار إيفاد للدراسة في الداخل والخارج، منها قرارات أُصدرت بطرق مشبوهة، شملت مزورين وأبناء مسؤولين، دون الالتزام بالمعايير الأكاديمية أو النزاهة.
“لم أضف دولارًا واحدًا للإيفاد منذ توليت الوزارة”، هكذا صرح القيب، مدافعًا عن نفسه، إلا أن تصريحاته كشفت عن نظام متكامل من القرارات العشوائية التي أثقلت كاهل الوزارة. قرارات الإيفاد لم تكن فقط عشوائية، بل مثلت عبئًا ماليًا هائلًا، إذ تُقدر الميزانية المطلوبة لتنفيذ هذه القرارات بمليارات الدنانير، وهو ما يعتبر استنزافًا صريحًا للموارد الوطنية.
التعليم.. ضحية الفساد السياسي
تحت حكومة الدبيبة، لا يتوقف الفساد عند حدود التعليم. فالتضارب في المصالح، واستغلال المناصب، وتوزيع الفرص على الأقارب والمعارف، كلها أصبحت سمات أساسية للإدارة العامة. قطاع التعليم، الذي يُعد الأمل الوحيد للشباب الليبي في مستقبل أفضل، بات ضحية لهذا النظام القائم على المحسوبيات والفساد المؤسسي.
تنسيقية معيدي ليبيا، التي تعبر عن مطالب المعلمين والأكاديميين، انتقدت القيب بشدة، مشيرة إلى أن القرارات التي أصدرها شملت حوالي 6,000 موفد بين مزور وأبناء مسؤولين. وأضافت أن هؤلاء الموفدين تم دمجهم في قرارات خاصة بجرحى الحرب والمفقودين، ما يُظهر استغلال القضايا الإنسانية لتحقيق مكاسب شخصية.
مستقبل غامض وميزانية مثقلة
الأزمة لا تقتصر على تضخم قرارات الإيفاد فقط، بل تمتد إلى غياب رؤية واضحة لإدارة القطاع التعليمي في ظل هذه الفوضى. القيب أشار إلى استحالة تنفيذ القرارات المتراكمة بسبب الحاجة إلى مليارات الدينارات، وهو ما يجعل مستقبل آلاف الطلاب معلقًا بين أحكام القضاء وعجز الحكومة عن التنفيذ.
الأهم من ذلك هو أن التعليم في ليبيا بات رهينة السياسات الفاسدة التي تتخذ من شعارات الشفافية والعدالة غطاءً لاستمرار استغلال المناصب. ما يحتاجه القطاع هو ثورة إدارية تُعيد تنظيم أولوياته، وتضمن توزيع الفرص التعليمية بشكل عادل وفق معايير واضحة.
خلاصة المشهد التعليمي
بين تصريحات القيب ومطالب تنسيقية المعيدين، يظهر بوضوح أن التعليم في ليبيا يعاني من أزمة حقيقية. أزمة لا تتعلق فقط بقرارات الإيفاد غير المنفذة، بل بنظام فاسد يعوق تقدم القطاع بأكمله. الأمل الوحيد يكمن في إصلاح جذري يضع التعليم في صدارة أولويات الدولة، بعيدًا عن الحسابات السياسية والمصالح الشخصية.